آراء وتحليلات

خواطر إقتصادية

كتب دكتور احمد الجيزاوي

احمد الجبزاويسنتكلم اليوم عن تجربة الصين عندما كنت أدرس الإقتصاد فى الجامعة فوجدت أن الإقتصاد مرتبط إرتباط وثيق بالسياسة وحتى أن معظم المراجع التى كنا نطلع عليها إن لم تكن كلها كان عنوانها الرئيسى (الإقتصاد السياسى) على إختلاف المواضيع التى تحتويها تلك المراجع
وعندما نتحدث عن الصين وعن تجربتها فى التنمية الإقتصادى يذهب إلى ذهن القارئ الجانب الإقتصادى دون النظر إلى الجانب السياسى
وكان هذا شأن معظم من يكتب عن تجربة الصين وكيف تحوّلت هذه الدولة التي كانت تصنف كدولة نامية ، لوقت قريب إلى عملاق اقتصادي ينافس أكبر إقتصادات العالم
الصين قوة اقتصادية كبرى علينا أن تعاون معها ونتعلم منها، ولكن علينا أيضا أن نتابع وندرس تطورها السياسي.
ولكن الجانب الذى نتحدث عنه اليوم هو جانب آخر للصين يتعلق بتجربتها السياسية ، والتي يهيمن عليها الحزب الشيوعي كحزب حاكم منذ عام 1949.
وهنا لابد وأن نسأل أنفسنا (كيف استطاع هذا الحزب الشيوعي أن يقود عملية للنمو الاقتصادي تستند على آليات النظام الرأسمالي؟)
ولكى نفهم هذا السؤال ، فهناك مقولة لأحد زعماء الصين تقول
“ليس مهما أن تكون القطة بيضاء أو سوداء، المهم أنها تستطيع صيد الفئران”،
أي أن المرونة الأيديولوجية أمر واجب طالما أنها تُحقق الهدف المطلوب، وهو ما فعلته الصين بتبني أفكار رأسمالية طالما تحقق أهداف النمو الاقتصادي ، برغم أن الصين هو النموذج الأشتراكى الحاد فى العالم والذى أستطاع الصمود حتى وقتنا هذا.
ونعود للجانب السياسي. ونسأل
(كيف استطاع الحزب الشيوعي الاستمرار في الحكم كل هذه الفترة؟)
وكيف تجنّب مصير الأحزاب الشيوعية في الاتحاد السوفيتي وأوروبا الشرقية التي انهارت مع بداية الحرب الباردة.
والإجابة على هذه الأسئلة تتلخص فى أن الحزب الشيوعي الصيني يُتابع عمليات التحول السياسي في العالم، ويقوم بتحليلها والاستفادة من دروسها.
فقد قام الحزب الشيوعي الصيني بدراسة تجربة انهيار الأحزاب الشيوعية في أوروبا الشرقية، وتم إدخال دروس هذه التجربة في المقرارات داخل المعاهد التي تؤهل كوادر الحزب الشيوعي الصيني.
والذى يهمنا هنا هو ما علاقة ذلك بدولنا العربية والتى ستتحول معظمها إلى دويلات عديدة إن أجلاً أم عاجلاً ، وهنا نستطيع أن نقول أن الحزب الشيوعي الصيني قام أيضا بدراسة تجربة الربيع العربي، وبالرغم من أننا لم نشهد بعض الفصول الأخيرة لهذه التجربة، إلا أن الحزب الشيوعي الصيني استخلص منها العبر والدروس. وقد قرأت العديد من الدراسات التى تناولت تلك الدروس الصينية، ومن تلك الدروس التالية:
1- استباق الأحداث
فالأنظمة التي نجت من عاصفة الربيع العربي قد قامت باتخاذ قرارات لتفادي حدوثه، مثل دول الخليج التي اتخذت قرارات بزيادة دعمها الاقتصادي لمواطنيها، وقيام حكومتي المغرب والأردن بتهدئة المتظاهرين من خلال إقالة المسؤولين الذين لايحظون بشعبية.
وتتبع الصين نفس المنهج، وبدأت في حملات قوية ضد الفساد والكسب غير المشروع، والتحقيق في أي تجاوزات لقادة الحزب الشيوعي.
2- توحيد النخبة
استنادا للرؤية الصينية، فإن أحد أهم أسباب سقوط النظم فى إطار الربيع العربي هو تفتت النخبة الحاكمة والصراع فيما بينها، مثلما حدث فى العراق واليمن وليبيا ، وما كان سيحدث فى مصر لولا عناية الله ، بعكس نظام الأسد الذي يحتفظ بولاء معظم النخبة العلوية، ومعظم عناصر الجيش، مما جعله صامدا حتى الآن.
لذا فإنَّ الحزب الصيني الحاكم استفاد من هذا الدرس، من خلال العمل على توحيد النخبة، وترسيخ ولاء الجيش والشرطة له.
3- السيطرة على الإعلام
أعطت موجات الربيع العربي جرس إنذار قوي للصين حول ضرورة السيطرة على الإعلام وشبكة الإنترنت، لا سيما مواقع التواصل الاجتماعي التي كانت مركزا انطلق منها ناشطو الربيع العربي لتنظيم المظاهرات، لذا قامت الصين بحظر كافة مواقع التواصل الاجتماعي الغربية، والسماح فقط بمواقع اجتماعية محلية، تتحكم فيها الحكومة، كما يتجنب الإعلام الصيني الخوض في العديد من القضايا الدولية التي من شأنها إحداث بلبلة داخلية.
التجربة الصينية تطرح بالتأكيد العديد من الأسئلة السياسية حول إمكانية الاستمرار في نموذج يقوم على الجمع بين التعددية الاقتصادية والأحادية السياسية، حول موقف الطبقة المتوسطة الجديدة من قضايا الإصلاح والديمقراطية، حول قدرة الدولة على الحفاظ على ولاء مؤسساتها البيروقراطية والمزايا الممنوحة لها فى ظل توسع دور القطاع الخاص، حول موقف الغرب من قضية الاستقرار فى الصين، والتى يتجنب حتى الآن إحداث هزة بها، ولكن ماذا يمكن أن يحدث لو ازدادت القوة الصينية وتحوَّلت لتهديد للمصالح الغربية، هل يمكن أن يسلك الغرب مع الصين نفس سلوكه الآن مع روسيا؟
ولكن لا نستطيع أن ننسى أن الصين قوة اقتصادية كبرى علينا أن تعاون معها ونتعلم منها، ولكن علينا أيضا أن نتابع وندرس تطورها السياسي، فنحن نعيش في عالم لم يعد من الممكن فيه الفصل بين الاقتصاد والسياسة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *