آراء وتحليلات

عن العشاق سألوني (١)

بقلم شيرين الزيني

جلست في الشرفة أرتشف قهوتي،و أنا أملأ عيني بصباح مدينتي الساحلية الجميلة.
كعادتي،رحت أستقبل يومي بالاستماع إلى بعض أغانيّ المفضلة،والتي رافقتني طويلا في رحلة العمر،حتى صارت جزء من الهواء المنعش الذي أستقبل به يومي الجديد.
انساب الصوت في عذوبة لامتناهية، ينافس نسائم البحر التي تداعب خصلات شعري،كأنما تسر لها بحكايات العشاق التي رسمتها آثار خطواتهم على رمال الشاطئ.
( عن العشاق سألوني وأنا في العشق لا أفهم ).

على قارعة الشوق،كان ينتظر، وهو يحتضن باقة من الزهور، يضمها إلى صدره في لهفة الولهان المتيم،الذي لم يعد يأبه للمكان،ولا للزمان.
جلب انتباهي،فرحت أرمقه في فضول،كأنما أحاول قراءة حركاته، وحتى سكناته.
فجأة،رأيتها قادمة من الجهة المقابلة،وهي تسرع الخطى،راسمة على وجهها ابتسامة رقيقة،وهي تلوح بيدها كأنما تريده أن يحيطها بعينيه ليحتويها وحدها,،دون غيرها من بين كل ما يتحرك حوله .
أسندت ظهري الى الجدار، و تزاحمت الأسئلة في داخلي.
أمازال هناك بشر من (عشاق الزمن الجميل)،يحتفظون بطبيعتهم الخاصة، ليعيشوا بها خارج نطاق الزمن ؟
إنهم على تفاوت أعمارهم،ومع ما يعانونه في هذا العصر السريع الإيقاع، بكل ما فيه من متاعب نعايشها يوميا، مازال يشدهم ذلك الحنين الدائم الى شئ مجهول،قد لايعرفونه تحديدا.
لكآنهم يريدون الانسلاخ من أجسادهم، والتحليق بأرواحهم في عالم آخر، حيث الخير،والحب،والجمال .
عالم الصفاء،والنقاء الذي لم تكدره الأكاذبب،ولم تفسده الأقنعة المتعددة التي توارت وراءها القيم،حتى صار الحب عملة نادرة،والوفاء لمن استطاع إليه سبيلا.
تراهم يسترقون السمع مع كل تغريدة طير ، متحدين الصخب الذي يحيط بهم.إنهم أولائك الذين مازالوا يتهادون الزهر في زمن أرقى العطور.ويركبون بساط الريح،ليطير بهم إلى دنيا الأحلام.
ففي الوقت الذي يتذمر فيه العامة من انقطاع الكهرباء، ويهرولون لإضاءة الكشافات المبهرة و…المزعجة،تجدهم يضيئون شمعة ويبتسمون . فعيونهم لاترى ما يراه الآخرون من قبح , رغم تعاظمه وتوحشه.
ماذا فعلتِ أيتها الحالمة،عندما لم يقف لكِ سائق التاكسي ؟ هل ثرت،وأسمعته ما لا يحب سماعه،أم أن أحلامك على بساطتها جعلتك تتغاضين،وتبتسمين،ثم تنتظرين رغم اللهفة التي تشي بها عيناك.
و عندما ركبتِ اخيرا،هل ناقشته في الأجرة،أم أنك اكتفيت بإطباق عينيك على صور الحلم القادم،ونسيان كل ما حولك؟
هل لعنت الزحام، و شرطي المرور ،أم أنك انزويت في محارتك،منفصلة عن العالم الذي يحيط بك ؟
وأنت أيها الأنيق رغم ثيابك القديمة،هل جئتها راجلا ، أم اختنقت داخل الأوتوبيس تزاحم الاكوام البشرية، لاعنا الحكومة ،و الأوضاع الاقتصادية ؟
هل كنت موافقا علي الإضراب في مصنعك ، أم أنك قررت الإضراب عن كل ما يلهيك عن لقاء الحبيبة،وجئتها مهرولا تحمل في يديك زهرات تخاف أن يدركها الذبول؟
لامست بعض نسائم البحر وجهي في حنو،معلنة عودتي الى عالمي،على وقع صوت قادم من عبق الماضي الذي يسكننا بكل بساطته،وجماله.ماض،مازال يعيش فينا،ويرفض الرحيل من داخلنا.
( الحب جميل للي عايش فيه
له ألف دليل اسألوني عليه )

أطرقت وأنا أهمس لنفسي :
هؤلاء هم المحبون في زمن الكراهية.
هم العمق في زمن الضحالة.
هم الحياة في زمن الموت .

ولحديث القلوب شجون لاتنتهي.

شيرين الزيني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *