أخبار مصر

عالمة أثرية: اشتهار مصر بالكثير من الصناعات يرجع لصناعها الأفذاذ ممن خدموا العمارة

قالت الأثرية نادية عبد الفتاح المتخصصة في الآثار الإسلامية، إن مصر عبر تاريخها تميزت بالكثير من الصناعات، واشتهرت بوفرة آثارها وذلك بفضل صناعها الأفذاذ الذين خدموا العمارة والفنون، ويكفي فخرا أن مصر اختصت منذ صدر الإسلام بعمل ستور وكسوة الكعبة والروضة الشريفة، كما اشتهر الكثير من بلدانها بإنتاج أرقى أنواع النسيج وأغلاها.

وأضافت عبد الفتاح، لوكالة أنباء الشرق الأوسط اليوم السبت، أن الرحالة الذين زاروا مصر في العصر المملوكي أشادوا بصناعات “دبيق” إحدى مدن دمياط، والتي كانت تنتج نوعا من الكتان الثقيل عرف باسمها، فضلاً عن ما انتجته من منسوجات حريرية ملونة، والتي بلغ شهرتها في كثير من البلدان الإسلامية، حتى أطلق تجار المنسوجات بالعراق على أحد مراكز النسيج ببلادهم اسم (الدبيقية) نسبة إلى مدينة دبيق المصرية.

وأشارت عبد الفتاح، إلى اشتهار مدينة “تنيس” المصرية، شمال شرق بحيرة المنزلة، بصناعة نوع من الثياب الكتانية عرف بثياب (الشروب)، والتي وصفها المؤرخ المقريزي بأنها لا يصنع مثلها في الدنيا، كما أنتجت تنيس قماش (البقلمون)، والذي يتغير لونه حسب تغير وضعه.

وكشفت عن استعانة الأقطار المجاورة لمصر بالصناع المصريين منذ أقدم العصور، فقد اشتركوا في تشييد وعمارة الحرم المكي، وشاهد رحاله يدعى “البشاري المقدسي” أعمالهم بها وقرأ أسماء الصناع على الفسيفساء، كما ذكر المؤرخ ” البلاذري” نبأ الصناع الموفدين من مصر لعمارة الحرم النبوي عام 87هـ/705م، حيث تذكر بردية محفوظة بمكتبة المتحف البريطاني استعانه الأمويين ببنائين ونجارين من الأقباط المصريين.

وأضافت عبد الفتاح، أن أكثر العمارات التي أُجريت بالحرمين الشريفين نفذها مهندسون وعمال مصريون، ففي العصر المملوكي أرسل الظاهر بيبرس البندقداري 53 صانعا لعمارة المسجد النبوي، كما أرسل السلطان قايتباي عام 1481م، مشيد عمائره و يدعى “السيوفي سنقر الجمالي” مع نحو 300 صانع لإصلاح المسجد النبوي بعد حريقه.

وأوضحت أن عملية البناء والعمارة التي أُجريت بالكعبة سنة 1040هـ/1630م أشرف عليها صناع مصريون كالمعلم سليمان الصحراوي المصري رئيس النجارين، ومن البنائين سليمان البجع وابن حاتم و نور الدين.

وأكدت الأثرية نادية عبد الفتاح، أنه تم الاستعانة بالصناع المصريين في العمارة التي أُجريت بمسجد قبة الصخرة والمسجد الأقصى وما حولهما، حيث ذكر أحد الرحالة يدعى”الهروي” أنه قرأ على لوحة تذكارية لعمارة أُجريت بالمسجد الأقصى سنة 426هـ/1034م اسم صانع مصري ونص المكتوب “صنعه عبد الله بن الحسن المصري المزوق”، كما يذكر لنا هذا الرحالة أنه شاهد العديد من المزوقين المصريين في العصر الفاطمي كانوا يتنافسون في إجادة صنعتهم من نقش وتصوير.

وتابعت أن الرحالة ابن بطوطة ذكر أنه عاين في مغارة في مدينة الخليل الفلسطينية لوحة رخامية على قبر سيدة تدعى فاطمة بنت الحسين مكتوبا عليها؛ “صنعه محمد بن أبي سهل النقاش بمصر”، مشيرة إلى استعانة تونس بألف قبطي من المتخصصين في عمل السفن، سافروا من مصر عام 114هـ/733م للعمل بدار الصناعة بتونس.

وأوضحت عبد الفتاح، أنه إذا كانت توقيعات الصناع المصريين على العمارة الإسلامية قليلة فإن توقيعاتهم على التحف الأثرية كثيرة، فيمدنا متحف الفن الإسلامي بباب الخلق بالقاهرة بالعديد من التحف التي وقع أصحابها عليها من توقيعات الخزافين ومكفتي النحاس ونقاشه، وهذا راجع إلى استقلال أصحاب المصانع المنتجة لها.

وقالت إن صناع النجارة في مصر فاقوا جميع زملائهم في بقية الأقطار الإسلامية بدقة صناعتهم وتنوع التقاسيم والزخارف أمثال “محمد بن عينو” أحد نجاري الجامع الطولوني والذي عثر على اسمه مكتوب بالخط الكوفي البسيط على ظهر ألواح الإزار الكوفي وعلى بعض أجزاء السقف، وكذلك النجار عبيد النجار المعروف بطابن معالي” وهو نجار نابغ صنع تابوت الإمام الشافعي عصر السلطان صلاح الدين، الذي يعد من أرقى نماذج النجارة والحفر على الخشب، وقد كتب اسم الصانع في الطرف العلوي للغطاء الهرمي وبخط صغير، وابن معالي من أسرة نبغت في صناعة النجارة حيث وجد اسم أحد أفرادها على منبر بالمسجد الأقصى حيث كتب: “صنعه سلمان ابن معالي”.

ولفتت عبد الفتاح، إلى أهم الصناع الذين ذكر اسمهم ومنهم “أحمد بن عيسى بن أحمد الدمياطي”؛ والذي نفذ أعمالا مهمة في عصر السلطان جقمق بالعصر المملوكي الجركسي حيث صنع منبر المدرسية المزهرية نسبة لمدرسة أبو بكر مزهر الموجودة بحارة برجوان ونقل إلى المتحف القومي للحضارة إلى جانب المنبر المكي ومنبر جامع الغمري.

وأشارت إلى توقيعات الصناع المصريين في مجال الخزف مثل، العجيل والمهندم وغزال ودرويش والخباز وابن الخباز والشاعر وبدير وأبو العز، إلى جانب توقيعات اقتصرت على القاب ينسب بها الخزاف إلى بلد معين كالعجمي، أو الشامي، وألقاب أخرى تدل على مكانة الخزاف بين ابناء حرفته كالمعلم والشيخ والأستاذ المصري.

وأضافت الأثرية نادية عبد الفتاح، أن بعض خزافي مصر تأثروا بخزافين إيرانيين مثل الخزاف “دهين” و”الهرمزي” اللذان تأثرا بالخزاف الإيراني “غيبي” وكان ذلك في العصر المملوكي.

وأكدت أن الخزاف “أبو العز” كان آخر الخزافين المشهورين في العصر المملوكي ويُرجح أنه عاش في النصف الثاني من القرن 9هـ/15م وقد شهد عهده بداية اضمحلال صناعة الخزف في العصر المملوكي الجركسي وزيادة استرداد الخزف من الصين، ويتميز أسلوب “أبو العز” بتقليده بعض الرسومات والزخارف التي كانت مستخدمة في الخزف من نوع البريق المعدني كما تميز باشتقاقه أشكال هندسية ذات سبعة أضلاع وهو تطوير جديد للأشكال الهندسية السداسية أو الثمانية.

وبالنسبة لصناعة الفخار المطلي بالمينا، كشفت الأثرية نادية عبد الفتاح عن اشهر صناعه في عصر المماليك وهو “شرف الأبواني” ويرجع اشتغاله بهذه الصناعة إلى عصر السلطان محمد بن قلاوون وقد تعدد الصيغ التي ينقش بها توقيعه على منتجاته ومن أهمها صيغة “عمل شرف بأبوان” أو “عمل العبد الفقير المسكين شرف الأبواني غلام الناس كلهم”، موضحة أن أبوان هي بلد صغيرة بصعيد مصر وتعرف باسم “أبوان الزبادي” ولفظ الزبادي لا يزال يطلق حتى الآن على بعض الآنيات الخزفية أو الفخارية مما يشير إلى شهرتها في هذه الصناعة.

وأكدت أنه من اشهر توقيعات صنايعية الفخار”الحاج علي”، “أحمد الأسيوطي”، و” القاهري”، ووجد توقيعهم على قطع من الفخار المطلي بالمينا وقطع أخرى من الخزف مما يدل على إجادة أصحابها للصناعتين.

وأوضحت الأثرية نادية عبد الفتاح، أن شبابيك القلل على الرغم من صغر حجمها ودقة زخارفها لم تخل أيضاً من تزويد بعض صناعها لها بأسمائهم، ومنها شباك قلة من الفخار يحتفظ به متحف الفن الإسلامي بالقاهرة يحمل توقيعا نصه “عمل عابد”.

يشار إلى أن الدولة المصرية تنفذ حاليا العديد من المبادرات التي تستهدف إعادة إحياء الصناعات اليدوية والتراثية والتي تمثل قيمة مضافة للاقتصاد القومي، لاعتمادها بشكل كبير على الخامات المحلية والإبداع البشري، كما تحافظ على الهوية المصرية وحماية وتعزيز التراث الثقافي ومن أهمها مبادرة “صنايعية مصر” وتنشيط صناعة “النول” المصري.

وأضافت عبد الفتاح، لوكالة أنباء الشرق الأوسط اليوم السبت، أن الرحالة الذين زاروا مصر في العصر المملوكي أشادوا بصناعات “دبيق” إحدى مدن دمياط، والتي كانت تنتج نوعا من الكتان الثقيل عرف باسمها، فضلاً عن ما انتجته من منسوجات حريرية ملونة، والتي بلغ شهرتها في كثير من البلدان الإسلامية، حتى أطلق تجار المنسوجات بالعراق على أحد مراكز النسيج ببلادهم اسم (الدبيقية) نسبة إلى مدينة دبيق المصرية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *