أخبار مصر

نبيل فهمي وزير الخارجية المصري السابق يكتب: تحرك ضروري وترقب واجب

ينبغي على دول المنطقة العربية الإسهام فى تشكيل الأرضية السياسية الجديدة وترسيخ مكانها في الحسابات الدولية

تنظر العديد من الدول إلى منطقة الشرق الأوسط على أنها ملغمة بالمشاكل والنزاعات، وللأسف، فقد أصابت فى ذلك، فالمنطقة تعيش بين مشاكل الاحتلال الإسرائيلى للأراضى العربية وتعنتها تجاه الفلسطينيين، والوضع فى ليبيا، وبالمشرق فى سوريا والعراق، وفى اليمن ومع إيران وتركيا.
يرى البعض، أن الأضواء السياسية بالمنطقة لم تعد مسلطة على القضية الفلسطينية، وأن كثيرا من الدول العربية مشغولة بالتعامل مع التحديات التى تواجهها، وقد أصابوا فى ذلك جزئيا أيضا. ويعتقد الثانى، أن الوضع الفلسطينى ذاته مضطرب بين محاولة التوفيق بين السلطة وحماس، والانتخابات المقبلة مما سيشغل الفلسطينيين عن عملية التفاوض مع إسرائيل، وهذا أيضا صحيح إلى حد ما. ويدفع الثالث، وعلى رأسهم إسرائيل بعدم ملاءمة التعامل مع المشاكل المتعددة بالمنطقة فى آن واحد، لذا يجب تحديد الأولويات الأقل طموحا والأكثر واقعية، وترك القضية الفلسطينية لوقت آخر، وهو تقييم ينطبق عليه مقولة «حق يراد به باطل».
وعلى النقيض من ذلك تماما أرى أن التعامل مع جميع هذه القضايا فى آن واحد ضرورة وواجب، ومصلحة، فهناك مسئولية لتأمين واستعادة الحق المسلوب، فضلا عن أن ترك المشاكل يجعلها أكثر تعقيدا مستقبلا.
ومع جميع التحديات أمام الجانب الفلسطينى، فإن المسئول الأول عن تعثر عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية هو التيار اليمينى فى تل أبيب الذى لا يؤيد حل الدولتين، وأتذكر مقولة نتنياهو أمامى فى منتصف التسعينيات أن أقصى ما يمكن تصور حصول الفلسطينيين عليه هو شكل من أشكال الإدارة الذاتية فى مقاطعة مثل أندورا، وهو أقل حتى من حكم ذاتى.
وأضيف أن التعامل مع القضايا فى آن واحد، مع تولى دول مختلفة دور رأس الحربة التفاوضية لقضايا مختلفة، يسمح لكل طرف بالتعامل مع قضيته الضاغطة من دون تأخير مع تبادل الدعم العربى للقضايا المختلفة، وهو ما يقوى المواقف العربية، ومن الطبيعى والمفترض أن تكون لمصر وتونس والجزائر الريادة فى الطرح العربى حول ليبيا. وللفلسطينيين ومعهم مصر والأردن الريادة فى دفع القضية الفلسطينية وإنهاء الاحتلال الإسرائيلى من الأراضى العربية المحتلة. وللسعودية والإمارات والدول العربية الخليجية الريادة فى طرح المطلوب من إيران. وكذلك للسعودية وعمان الريادة فى تناول قضية اليمن، ولمصر والإمارات الريادة فى التعامل مع السياسات التركية.
سبق أن دعيت الأطراف العربية لأخذ زمام المبادرة فى تحديد التوجهات المستقبلية للمنطقة، وفى التعامل مع النزاعات القائمة، وتزداد المبادرة أهمية فى ظل إعادة ترتيب التوازنات الدولية بعد انتخاب رئيس أمريكى جديد من جانب، ومحاولة إعادة التنظيم السياسى لمنطقتنا على أساس هوية شرق أوسطية على حساب الهوية السياسية العربية التى كانت غالبة فى الماضى من جانب آخر.
روسيا تسعى لتثبيت أوضاعها فى المشرق بما يخدم توازناتها الجديدة مع الولايات المتحدة، وأمريكا قلقة من تنامى النفوذ الروسى وتتريث كثيرا تجاه منطقتنا عدا الملف الإيرانى، ولا يتوقع أن تضغط حول المسار الفلسطينى الإسرائيلى، وهو ما عكسه تصريح أنتونى بلينكن وزير الخارجية أمام مجلس الشيوخ «بأنه مع تأييد الرئيس بايدن لحل الدولتين لكنه هدف بعيد المنال»، وإسرائيل برئاسة نتنياهو المتقدم فى استطلاعات الرأى العام تفضل التركيز على إيران على حساب عملية السلام، وتركيا وإيران تسعيان لتوسيع نفوذهما، والدول الأوروبية، بخاصة فرنسا وإيطاليا، تؤمن مصالحها الاقتصادية والأمنية.
وبقدر تحفظى على كثير من السياسات الإسرائيلية والإيرانية وكذلك التركية، لعلنا كعرب نتابع بعض ممارساتهم الدبلوماسية، التى من أهم خصائصها التحرك التكتيكى السريع للتأثير فى رسم خريطة بحث القضايا الإقليمية، مع التريث والترقب قبل كشف الأوراق الموضوعية مبكرا.
ويلاحظ أن القيادات الإيرانية على أعلى مستوى تسعى لجذب انتباه الإدارة الأمريكية الجديدة والتأثير فى أجندتها بالخليج العربى، بالتنويه تارة أنها ستعود إلى الاتفاق النووى إذا عادت إليه أمريكا ودفعت تعويضات، مع رفض أى شروط إضافية أو انضمام أطراف جديدة للاتفاق، ثم تلى ذلك أخبار إعلامية عن اتصالات بين الجانبين بالأمم المتحدة فى نيويورك، وتصريحات من جواد ظريف بأنه يمكن لإيران والولايات المتحدة اتخاذ خطوات متوازية لإحياء الاتفاق، وفى الوقت ذاته لا تغفل إيران الاتصال المتكرر بروسيا وتوسيع اتصالاتها مع الصين والاتحاد الأوروبى ضمانا لتوفير خيارات أخرى لموازنة النفوذ الأمريكى.
ولم تقف إسرائيل مكتوفة الأيدى أمام التغيرات الجارية، فأُعلن أن مدير الموساد سوف يزور أمريكا للقاء مسئولى الإدارة الجديدة والتباحث على وجه الخصوص حول الموقف من إيران، وسُربت معلومات وتصريحات متضاربة عن أن إسرائيل تستعد لمواجهة إيران بشكل مباشر بما فيها تصريحات لرئيس أركانها، وأخرى عكس ذلك تفضل مواصلة سياسة الضغط المتواصل من دون التصادم.
أين العالم العربى من كل هذا؟
هل تحرك لمخاطبة الدول الكبرى عامة، والإدارة الأمريكية الجديدة تحديدا، حول رؤيتها للسياسات الإيرانية أو التركية؟ هل فعل ذلك الجانب الفلسطينى بالنسبة لقضيته؟ هناك تصريحات صادرة عن رئيس الوزراء الفلسطينى الصديق محمد أشتية يلمح فيها إلى بدء ترتيب الأوضاع مع الإدارة الجديدة، أعقبتها تصريحات من قيادات أخرى، تفيد بأن الجانب الفلسطينى لا يزال فى أول مرحلة لمناقشة كيفية التفاعل معها!
فمنذ أيام قليلة اتصل المسئول الأمريكى المعنى بالسلطة الفلسطينية، والتى يجب أن تنتهز فرصة انفتاح الإدارة الجديدة عليها لإعادة تثبيت قواعد عملية السلام فى إطار حدود 1967 وحل الدولتين، ويفضل أن يكون فى سياق الأمم المتحدة، واستئناف المساعدات الأمريكية للفلسطينيين لوكالة غوث اللاجئين، والحوار والتعاون الإنسانى متاح من دون عناء كبير، ويجب أن تُوقن السلطة أن الإدارة لن تتحمس أو تتحرك سريعا للانغماس بجدية فى عملية السلام.
وعلى الرغم من أن استئناف الاتفاق النووى مع إيران محل الاهتمام الأمريكى الرئيس فى الشرق الأوسط، لكن يرجح عدم تحقيق ذلك سريعا، فى ظل الانتخابات الإيرانية الوشيكة، وهى فرصة يجب استثمارها عربيا حتى لا تسبقنا الأحداث، بالشروع فى تسجيل المواقف والمطالب العربية التى يجب أن تشكل إطارا للمفاوضات، سواء كان ذلك أمريكيا أو مع الدول الأخرى المرتبطة بالاتفاق.
والخلاصة من الضرورى كخطوة أولى أن يسهم العرب فى تشكيل الأرضية السياسية الجديدة بالمنطقة، ومكانها فى الحسابات الدولية، لا سيما استئناف الجهود لحل المنازعات الإقليمية بتحرك دبلوماسى تكتيكى وإطارى سريع يمهد لخطوات أخرى أكثر تفصيلا وتجديدا وابتكارا وجرأة، لتحقيق الطموحات الفلسطينية أو العربية حول مفاوضات الحل السلمى، وتغير الواقع الإيرانى العربى، ووضع بذرة وقف العنف فى اليمن، وتثبيت الأوضاع فى ليبيا، بحيث تطرح دوليا وإقليميا فى التوقيت الملائم ومن دون تسرع، بعد توافر مؤشرات لجدية الأطراف الأخرى فى السعى لتحريك الأمور.

نبيل فهمي وزير الخارجية السابق

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *