أخبار مصر

مؤرخ ومفكر ورجل قانون.. محطات في حياة الراحل طارق البشري

غيّب الموت اليوم، المفكر والمؤرخ والفقيه القانوني الكبير المستشار طارق البشري، النائب الأول لرئيس مجلس الدولة سابقًا، ورئيس لجنة التعديلات الدستورية في أعقاب ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011.

وشيعت أسرة المفكر الراحل، جثمانه من مسجد مصطفى محمود بمنطقة المهندسين بمحافظة القاهرة بعد صلاة الجمعة، وسط حضور عدد من أصدقائه ومحبيه، من بينهم الكاتب الصحفي فهمي هويدي، وسط التزام بالإجراءات الاحترازية لمواجهة فيروس كورونا.

ونعى رئيس مجلس إدارة مؤسسة “الشروق” المهندس إبراهيم المعلم وأسرة “الشروق” ببالغ الحزن وعميق الأسى القاضي الجليل والمؤرخ القدير المستشار طارق البشري، الذي وافته المنية بعد حياة من النزاهة والإخلاص والبذل والعطاء.

وأضاف بيان النعي: “رحمه الله رحمة واسعة وتغمده بسابغ مغفرته ورضوانه وأسكنه فسيح جنانه، وألهم أسرته الفاضلة ومحبيه وتلاميذه وعارفي فضله الصبر والسلوان”.
وولد طارق عبد الفتاح سليم البشري في 1 نوفمبر 1933 بحي الحلمية في مدينة القاهرة في أسرة البشري التي ترجع إلى محلة بشر في مركز شبراخيت في محافظة البحيرة في مصر.
تولى جده لأبيه سليم البشري، شيخ السادة المالكية في مصر – شياخة الأزهر – وكان والده المستشار عبدالفتاح البشري رئيس محكمة الاستئناف حتى وفاته سنة 1951، وكان عمه عبد العزيز البشري أديبا.
تخرج البشري في كلية الحقوق بجامعة القاهرة سنة 1953، عين بعدها في مجلس الدولة واستمر في العمل به حتى تقاعده سنة 1998 من منصب نائب أول لمجلس الدولة ورئيسا للجمعية العمومية للفتوى والتشريع.
بدأ تحوله إلى الفكر الإسلامي بعد هزيمة 1967، وكان مقاله “رحلة التجديد في التشريع الإسلامي” أول ما كتبه في هذا الاتجاه، وهو يكتب في القانون والتاريخ والفكر.
والبشري متزوج من الكاتبة عايدة العزب موسى، وله ولدان هما رئيس هيئة المفوضين بالمحكمة الدستورية العليا المستشار الدكتور عماد البشري، والمهندس زياد البشري.
كما يعد من أبرز المؤرخين والكتّاب الذين أثروا في وعي أجيال عدة، عبر كتبه العديدة التي تعد علامة بارزة في المكتبة العربية، ومنها كتبه “الحركة السياسية في مصر 1945 – 1952″، و”المسلمون والأقباط في إطار الجماعة الوطنية”، و”نحو تيار أساسى للأمة”، و”الحوار الإسلامى العلمانى”، “بين الإسلام والعروبة”، و”محمد علي ونظام حكمه”، و”من أوراق ثورة 25 يناير”.

وله أيضًا كتاب “سعد زغلول يفاوض الاستعمار” الذي يعد واحد من الكتب المهمة في المكتبة التاريخية، الصادرة عن دار الشروق، حيث يستدعي طارق البشري فيه صورة واضحة لما كانت عليه مصر في هذه السنوات المهمة، من 1920 إلى 1942، فعاد إلى جذورها وتأصيلها، وسلط الضوء على معالمها. ولقد اتبع في ذلك منهجا متميزا وغير تقليدي، فهو يطرح التساؤلات ويجيب عنها.

وضع البشري شخصية سعد زغلول «تحت المنظار »، وأوضح تأثير التكوين القانوني فيه، من حيث المناورات والإصرار أمام التعنت البريطاني على أن استقلال مصر لا يتجزأ.
كما ينظر المستشار طارق البشري في كتابه “ثورة 1919 فى تاريخ مصر المعاصر” الصادر عن دار الشروق في 2019 “نظرة الطائر إلى ثورات مصر عبر تاريخها المعاصر، ويضع ثورة 1919 في هذا السياق والإطار التاريخي العام الذي ينبسط على المرحلة التاريخية والمعاصرة”.

وضم كتابه “شخصيات تاريخية” 4 دراسات تناولت «سعد زغلول، وعبد الرحمن الرافعى، وأحمد حسين، ومصطفى النحاس» الذين كانوا جميعًا من رجال الحركة الوطنية، فضلا عن كتاب “الديمقراطية ونظام 23 يوليو” الذي يقرر أن ثورتي 1919 و23 يوليو لن يبقيهما المدح ولن يقضي عليهما الذم، لأن كل من المدح والذم من شأنهما أن يذهبا بريحها، ولأنهما يستويان فى جعل أي مرحلة تاريخية ماضيا، ولن يبقى أي تاريخ حاضرا ولا حيا إلا الوعي بآثاره سلبا وإيجابا على حدً سواء.

وتحدث البشري عن تحولاته في بعض حواراته المنشورة إعلاميا، والموجودة على شبكة الانترنت، ملخصا بداية هذه التحولات بأنه “في كلية الحقوق كنت علماني التفكير، وكانت دروس الشريعة الإسلامية من الأشياء التي أبقتني منجذباً إلى الإسلام كنظام في المجتمع والمعاملات، وكنت أشعر من شدة احترافي للقانون، ومن هضمي للتركيب الفني لأحكام الشريعة الإسلامية، وللبناء الفقهي الذي انجدلت منه الأحكام المستخلصةمن أحكام الشرع الإسلامي في القرآن والسنة، أن الفقه الإسلامي هو من أعظم ما تفتقت عنه العقلية الإسلامية فيما قدمت للحضارة الإنسانية”.
وتركت تحولات المستشار البشري من الطالب والقائد اليساري في الحركة الطلابية المصرية، إلى الاهتمام بالشريعة الإسلامية والفكر الإسلامي بصمتها عليه، حيث يبدو اهتمامه الكبير بالتدوين والكتابة عن الحركة الوطنية المصرية، وعن الحوار بين الإسلام والعلمانية، وعن الإسلام والعروبة، وعن ثورتي 1919 و25 يناير، حيث يعمل رؤية وبصيرة القاضي وضميره في النقد والتحليل والشرح والتفكيك في كتاباته.
كتابات البشري وإنتاجه الفكري، لم ينسياه منصبه كقاض، حيث كان صاحب صوت مسموع وموقف واضح داعم لاستقلال السلطة القضائية، محذرا من المساس بالحدود التى رسمها الدستور لكل سلطة أو مؤسسة حتى لا تتعدى سلطة أو تهيمن على غيرها.
هذه المواقف لا تنبع فقط من كون البشري قاضيا إداريا كبيرا له بصمات فى تاريخ مجلس الدولة بأحكامه وفتاواه، لكنها أيضا حصيلة نشاطه وإنتاجه كمؤرخ ومفكر تناول بالتحليل والتفكيك العلاقة بين السلطة القضائية والأنظمة السياسية الحاكمة المتعاقبة فى أكثر من مؤلف، أبرزها كتاب «القضاء بين الاستقلال والاحتواء» الذى صدرت طبعته الأولى فى مايو 2006 فى خضم الأزمة الشهيرة بين نادى القضاة ووزارة العدل على خلفية أحداث انتخابات مجلس الشعب 2005.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *