آراء وتحليلات

ذكريات رمضانية

كتب المهندس / فايق الخليلي

في بلدتنا الصغيره الجميله العريش كانت طقوس ومراسم ومظاهر شهر رمضان المبارك تبدأ غالبا منذ دخول شهر رجب فكانت معظم الأسر تستعد لدخول هذه الأشهر المباركه حيث معظم الأسر تصوم يومي الاثنين والخميس والايام البيض وهي منتصفات الشهور العربيه وذلك خلال شهري رحب وشعبان ومايتخللهم من مناسبات دينيه مثل ليلة الإسراء والمعراج وليلة النصف من شعبان وكنا أن تعلمنا أن ليلة النصف من شعبان تسمي ليلة السماح فكان والدي رحمة الله عليه يصطحبنا معه في هذه الليله المباركه لنزور الأقارب والجيران وأصحاب الحقوق علينا وكان والدي يبادر أهل البيت الذي نزوره بقوله سامحونا ياجماعه فيردوا عليه مسامحينك ياخالي أو مسامحينك ياعمي أو مسامحينك ومافيش مابيننا الا الطيب وكل الخير وكنا ونحن اطفال ننظر لهذا السلوك بانبهار ونسأل لماذا وعرفنا أن الله يغفر لكل الناس في هذه الليله الا المشاحن اي الذي في قلبه غضاضه من الغير فكانت هذه الليله هي الليله التي تزول فيها من نفوس وقلوب الناس المشاحنه والبغضاء وكان الكل يتسابق ليكون هو البادئ بالسلام وكنت اري وجه والدي ووجوه من كنا نزورهم تفيض بالبشر والراحه بعد هذه الكلمات الطيبه التي كانت تذيب اي شوائب تكون قد علقت بالنفوس خلال العام وتمر الايام ويدخل الشهر المبارك وما يصاحبه من مظاهر سبق الحديث عنها في بعض الذكريات السابقه ولكنني اليوم ساتحدث عن ايام رمضان الاخيره وليلة العيد ويوم العيد لما كان لها من اهميه لدي الأسر والعائلات ولما تركته في نفوسنا نحن الصغار من قيم ومبادئ مازلنا نتمسك بها ونعلمها لأولادنا حتي الان.
كانت الايام الاخيره من رمضان هي سباق علي عمل الخيرات والصدقات وقراءة القرأن وزيارة بعض الأقارب التي يصعب زيارتهم ايام العيد فكانت زيارات العيد تبدأ من شهر رمضان
وكانت الايام الاخيره من رمضان والتي كان يقول عنها أهل العريش آخر رمضان شوشره حيث يقل الاهتمام بأصناف الاكل والحلويات المختلفه وكانت الأمهات تعلن حالة الطوارئ لشراء مستلزمات الكعك والبسكويت وشراء ملابس العيد لنا والقيام بحمله شامله للتنظيف بدءا من السجاد وحتي اصغر قطعة أثاث في المنزل.
وكانت الأمهات من الاقارب والجيران يتفقن فيما بينهم لتحديد يوم عند احداهن لعمل الكعك والبسكويت فكن يأتين وكل منها تحمل المتطور أو الإقامة الذي يحتوي العجين الخاص بها وكانت تجتمع السيدات والبنات حول مواجير العجين ويقومون بعجنه ثم تركه لبخمر ثم يبدأون بتشكيله بالقوالب الخاصه بذلك وكنا نحن الاطفال نجلس معهم وندور حولهم وكل منا بيده قطعه من العجين لنصنع منه كعكه خاصه بنا أو نصنع منه اشكال مختلفه علي شكل فرس أو عروسه للبنات وطوال السهره كانت السيدات يتبادلن الأحاديث الشيقه وذكرياتهم عن رمضان الماضي وكانت تبدأ حفلات الكعك من بعد السحور وتمتد الي ساعات متاخره من الصباح حتي تنتهي كل السيدات من صنع كل الكعك الخاص باهل المنزل المجتمعين فيه ثم كعك الجيران المشاركين في هذا الاحتفال السنوي المهيب
وبعدها ايضا تعلن حالة الطوارئ ايضا لتنظيف البيوت وغسل السجاد والستائر وترتيب البيت لاستقبال ايام العيد ثم تبدأ رحلة شراء ملابس العيد للاطفال والتي غالبا ماتقوم بها الأمهات واحيانا قليله يتولي هذه المهمه الرجال وتستغرق هذه المراسم من عمل الكعك للتنظيف الي شراء الملابس تقريبا العشرة ايام الاخيره من شهر رمضان .
وبالرغم من هذا المجهود الجبار والغير عادي كان الآباء والأمهات لا يغفلن عن قراءة القرآن وقيام الليل حتي آخر ليله من ليالي الشهر الكريم.
وبالنسبه لليلة العيد كنا نفاجأ باستدعاءنا من الوالد رحمة الله عليه المهمه عاجله وذلك لمصاحبته في زيارة الأقارب والجيران الذين لديهم حالات وفاه حدثت قبل دخول العيد هذا غير زيارة اول العيد وعندما سألنا عن ذلك أخبرنا الوالد والوالده بأن من توفي لهم اب او ام أو قريب لهم يكونون ليلة العيد في حالة حزن وانكسار والوجود معهم ليلة العيد يخفف عنهم الإحزان التي يشعرون بها من فقد عزيز لديهم أما نحن الاطفال فكان كل منا يحتفظ بملابسه الجديده بجواره حتي يلبسها صباح يوم العيد وكانت الفرحه بهذه الملابس الجديده تفوق اي فرحه اخري حيث نتقابل مع اقراننا وكل منا يتفقد ملابس الاخر ويبدي إعجابه بها بل ونزور بها الأقارب الذين يرفعون من معنوياتنا
وحيث كنا نستيقظ فجر يوم العيد لنصلي الفجر في المسجد أو في الساحات المتخصصه لذلك وكانت الصلاه تضمنا بالاضافه الي الرجال نحن الاطفال وبعض النساء وكانت صلاة العيد في تلك الأيام التي اتحدث عنها تتم في المنطقه الفضاء بجوار جبانة العريش والتي امتدت الان بالمباني والبيوت وبعد الانتهاء من الصلاه كان البعض يزورون امواتهم ويقرأون لهم الفاتحه وكان البعض الآخر يقومون بهذه المهمه يوم الوقفه
وبع الانتهاء من الصلاهكنا نعود الي منازلنا نتناول طعام الإفطار الذي كان في عموم بيوت أهل العريش عباره عن الفسيخ الذي كان يتم تجهيزه من بدء شهر رمضان والان بعض العائلات ونحن منهم تقوم بتناول وجبة الفسيخ في اخر افطار في شهر رمضان
وبعد الانتهاء من الافطار يتجمع الرجال في ديوان العائله لتبادل التهاني بالعيد ثم تبدأ الزيارات العائليه والتي تبدأ بزيارة العائلات التي لديها خالات وفاه ثم الارحام مثل البنات والأخوات والخالات والعملات وأصحاب الحقوق علينا من لاأصدقاء والمعارف والأيتام
ويستمر ماراثون الزيارات طوال أيام العيد وكانت الزيارات في تلك الأيام تتم سيرا علي الاقدام وكانت مجموعات العائلات تسير علي شكل مظاهره تملأ الشوارع وعندما يتقابل اي جمعان في الشارع يقومون بتبادل التهاني فيما بينهم فيما أفاء الله عليهم واعانهم علي صيام وقيام هذا الشهر الكريم وكان أهل العريش يتقابلون جميعا في هذه الأيام المباركه حتي المقيمين خارجها الذين يأتون لقضاء العيد مع أهلهم وذويهم
كانت ايام وذكريات جميله تسودها روح المحبه والموده والتراحم واهم مافيها هي الود وصلة الرحم التي تطيل العمر
اللهم أعده علينا سنوات عديدة بالخير واليمن والبركات
وكل عام وانتم بخير
مهندس فايق الخليلي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *