آراء وتحليلات

ذكريات علي هوامش غزه

يكتبها المهندس / فايق الخليلي

في العقد قبل الماضي عندما اختنق قطاع غزه من الحصار الإسرائيلي عليه ومن القصف المتكرر علي القطاع سمحت الحكومه المصريه لأبناء القطاع بالدخول الي المدن المصريه المجاوره وهي رفح والشيخ زويد ومدينة العريش لشراء احتياجاتهم وتقديم العلاج لمن يحتاجه وبيع اي منتجات لديهم . وكنت يومها عائدا أنا وأسرتي من القاهره ودخلت مدينة العريش فجرا فوجدت الشوارع مكتظه بأناس معظمهم غريب الشكل والمحلات التجاريه تفتح ابوابها وليس من المألوف في مدينة العريش أن تكون هذه الأعداد في الشوارع في هذا الوقت ولا أن تكون المحلات مفتوحه وحركة بيع وشراء غير عاديه وكانك في مكه المكرمه أو المدينه المنوره حيث المحلات وحركة الناس علي مدار اليوم وعندما سألت عن ذلك أخبروني ان الحكومه فتحت الحدود للفلسطينيين تخفيفا للحصار الإسرائيلي عليهم واعطاؤهم فرصه لتلبية احتياجاتهم الضروريه من مأكل وملبس وعلاج وخلافه..وكان النازحون ينقسمون الي ثلاث فئات الفئه الاولي وهي المقتدره ماديا فكانت أن نزلت في فنادق المدينه او قاموا باستئجار شقق وشاليهات ليقطنوا لها طوال فترة اقامتهم. والفئه الثانيه استضافتها الأسر العرايشيه سواء في منازلهم أو في دواوين العائلات والفئه الثالثه هي من افترشت الشوارع والحدائق بالرغم من بروده الجو في هذه الفتره من العام وكانت حركة البيع والشراء علي أشدها وكانت تأتي السيارات محمله بكل انواع البضائع من مواد غذائيه الي موتوسيكلات الي ادوات منزليه وقطع غيار لكافة أنواع المحركات علاوه علي السجاير وانواع التبغ المختلفة تأتي من القاهره والمحافظات تتجه مباشرة الي قطاع غزه والبعض الآخر لتجار العريش وزار العديد من سكان العريش أقاربهم في قطاع غزه والعكس وانتعشت بالفعل حركة البيع. والشراء بين الجانبين انتعاشا كبيرا وقبل تجار العريش بالتعامل معهم بكافة العملات المتاحه لديهم سواء الشيكل الإسرائيلي أو الدينار الاردني أو العملات الاجنبيه كالدولار واليورو وطبقا للأعداد التي أعلنت من المصادر شبه الرسميه وقتها بأن الأعداد التي نزحت تتراوح من 200 الي 250 الف نسمه معظمهم في مدينة العريش وبالرغم من ذلك لم تحدث أي ازمه في اي مواد تموينيه ولا في الوقود فكانت المواد الغذائيه والخبز يباع فى الشوارع وبكميات كبيره ولم يتوقف مطعم اومخبز عن العمل.وقام الأهالي بفتح منازلهم ودواوينهم أمام النازحين باستضافه كامله كل حسب إمكانياته فهم اخوة لنا وأهل ومصر هي الشقيقه الكبري للعرب وملجا لكل من ضاقت عليه أحواله في بلده سواء الفلسطينيين أو السوريين أو العراقيين واليمنيين وغيرهم فمصر تضم بين ظهرانيها أكثر من ستة ملايين من جنسيات مختلفه يعيشون ويعملون ويتعلمون ويتاجرون ويتلقون العلاج مثلهم مثل أي مصري يعيش علي أرضها الطاهره دون كفيل ودون تضييق أو رقيب عليهم أو علي تحركاتهم.فهذه هي مصر وهؤلاء هم أهل العريش. وانا منهم والحمد لله ووحيث أنني امتلك منزلا واسعا بالعريش فكان لزاما علي أن اؤدي واجب الضيافه لهؤلاء الاخوه والاشقاء في محنتهم وحيث انني امتلك مكتبا بالدور الارضي بمنزلي ومضيفة خاصه بي فقد قمت بفرش المكتب والمضيفه بالكامل ودعوت الاخوه قاطني الحدائق والشوارع لاستضافتهم لدي والحمد لله المكان متوفر به كل الخدمات من دورات مياه ومطبخ وخلافه وكان لدي اثنان من العاملين بمكتبي اوكلت اليهم مهمة خدمة الضيوف من جميع الأوجه وكان منهم المرضي والمعاقين الذين ينتظرون تصريحا للسفر للقاهره للعلاج وهؤلاء استمروا لأكثر من شهر . وكان اخوتنا هؤلاء يخزنون ماقاموا بشرائه معهم في المنزل وكنت أمر عليهم كل عدة ساعات اتحدث معهم واسألهم عما إذا كانوا يحتاجون اي شيئ واطمئن علي راحتهم في مكان ضيافتهم واحمد الله أن وفقني الي ذلك مثلي مثل جميع أهل العريش المضيافين الكرماء. وبعد مرور حوالي عشرة ايام تقريبا كان لابد أن تعود الأمور الي نصابها ومصر عملت ماعليها وقدمت مايجب عليها تقديمه .وبدأت الاعداد
تقل شيئا فشيئا ووفرت الحكومه آنذاك سيارات لنقل ممن ليس معهم مصاريف السفر.وكان لسان حالهم يقول حفظ الله مصر لأهلها وللعرب وكانت كلمات الامتنان التي سمعناها منهم والتي لاتريد أن نسمعها فهذا هو الواجب وهذه هي النخوه العربيه الاصيله بالفعل لابالكلام والهتافات.ومازلنا اليوم مستعدون أيضا لاستضافتهم إذا وفدوا الينا ثانية فأهلا بهم وسهلا
حفظ الله مصر من كل سوء وفرج كرب أهل غزه وفك اسر المسجد الاقصي وليعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
مهندس فايق الخليلي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *