آراء وتحليلات

علي هامش احداث غزة ٤

 

يكتبها المهندس / فايق الخليلي 

توقفنا في الحلقه السابقه فيما يتعلق بالفرص الضائعه والتي لم يستغلها الفلسطينيون لاسترجاع الأرض وبناء دولتهم المستقله وكذا السقطات النضاليه في مسيرتهم التحرريه وايضا صمودهم النضالي البطولي في كل الظروف التي مروا بها من تضييق وتقييد حركتهم احيانا في البلاد التي كانوا ينطلقون منها ووصلنا الي أحداث أيلول الأسود في الاردن وانعقاد مؤتمر القمه بالقاهره والذي انتهي الي ترحيل القوات الفلسطينيه من الاردن الي مكان آخر وتل آخر كما يقول الفلسطينيون دائما هناك تل آخر ينطلقون منه ثانية في كفاحهم لتحرير الأرض وتزامن معه وفاة الرئيس جمال عبد الناصر بعد انتهاء القمه مباشره وكأنه يقول للعرب أن آخر شيئ فعلته هو حقن الدماء العربيه وآخر عمل اقابل به الله سبحانه وتعالي رحم الله الزعيم عبدالناصر علي ماقدم لبلاده وللعروبه . وتنفيذا لقرارات القمه تم ترحيل القوات الفلسطينيه من الاردن الي لبنان وهي أحدي دول الطوق العربي لينطلقوا من هناك استمرارا للكفاح المسلح ليقض مضاجع اسرائيل ويجعلها غير مستقره دائما واسترجاع الأرض السليبه الي اهلها . وما ان استقرت القوات الفلسطينيه ومنظمة التحرير في لبنان حتي نشبت الحرب الاهليه اللبنانيه عام 1975 وهي حرب بين الفرقاء اللبنانيين وهنا تأتي السقطه النضاليه الثانيه فبدلا من أن تقوم هذه القوات بدور فعال في رأب الصدع بين فصائل الدوله اللبنانيه التي تستضيفهم أو علي الاقل تقف موقف المتفرج فهي حركه ثوريه تحرريه لايجب أن تتدخل في اي صراعات داخليه أو خارجيه وعدم اتخاذ أي مواقف سياسيه او عسكريه إلا فيما يتعلق بقضيتها فقط وخانتها الذاكره النضاليه ولم تستدعي احداث أيلول الأسود ولم يكن قد مر عليها إلا بضع سنوات فانحازت هذه القوات وحاربت مع فصيل ضد فصيل لبناني آخر مما اغري بعض قوي اليسار اللبناني الي الاستعانه بهم في محاربة الفصائل الأخري من بني جلدتهم وخاصه ان قوات الكتائب اللبنانيه التي كانت ترفض الوجود الفلسطيني في لبنان بالرغم أن وجودهم كان طبقا لاتفاق عقد بالقاهره عام 1969 وقد قامت قوات الكتائب هذه بتفجير حافله بها ركاب فلسطينيين شرق بيروت مما اشعل الموقف وتحالفت القوات الفلسطينيه مع اليسار اللبناني ضد قوات الكتائب اللبنانيه واستولوا علي معظم أنحاء لبنان . ورغم كل هذا الانغماس في المستتقع اللبناني لم تنس المقاومه دورها الأساسي فقد قامت بالعديد من العمليات العسكريه ضد إسرائيل انطلاقا من الجنوب اللبناني مما حدا بإسرائيل الي التدخل لاحقا في الجنوب لإخماد المقاومه . وفي عام 1976 دخلت القوات السوريه الي لبنان وسيطرت علي معظم المواقع الحيويه في البلاد وأصبحت هي الطرف الاقوي في المعادله اللبنانيه والتي أصبحت فيما بعد تشكل القوه الرئيسيه لقوات الردع العربيه التي أنشأت في قمة الرياض لإيقاف الحرب الاهليه اللبنانيه والتي كان لمصر الدور الأكبر في إنشائها . وفي عام 1977 أعلن الرئيس السادات مبادرته لزياره القدس ومعارضة معظم القاده العرب لها ثم توقيع اتفاقية كامب دافيد في عام 1978 والتي بموجبها استعادت مصر كل سيناء واستكملت بعد ذلك بحكم المحكمه الدوليه لصالح مصر فيما يخص منطقة طابا . وقد استطاع فيها الرئيس السادات وضع القضيه الفلسطينيه من ضمن بنود اتفاقية كامب دافيد والتي أصبحت فيما بعد أحدي المرجعيات الرئيسه في مباحثات السلام باوسلو ومابعدها . ثم قامت إسرائيل في عام 1978 بغزو جنوب لبنان للقضاء علي القوات الفلسطينيه الموجوده انتقاما من عمليه فلسطينيه بتفجير حافلة ركاب مدنيه اسرائيليه في تل ابيب وايضا لعمل منطقه عازله في عمق الأراضي اللبنانيه . وفي عام 1982 قامت إسرائيل بغزو لبنان ودخول بيروت وكانت أول عاصمه عربيه تحتل من قبل القوات الإسرائيلية وبذلك أصبح وجود القوات الفلسطينيه في لبنان مهدد بمخاطر الاباده واصبح بين شقي الرحي فلااليمين اللبناني ممثلا في حزب الكتائب يقبل وجوده ولا إسرائيل بالطبع بل وتنوي ابادته لذا وجب الرحيل وكان ذلك هو الرحيل الثاني الي دوله اخري وتل آخر . وكانت الوجهه الجديده هي ترحيل القوات الفلسطينيه الي سوريا ودول عربيه اخري وانتقل مقر المنظمه وقياداتها الي تونس والتي كان قد انتقل إليها مقر جامعة الدول العربيه بعد اتفاقية كامب دافيد .

ولم يكن خروج المقاتلين والقيادات من لبنان أمرا سهلا في ظل وجود القوات الاسرائيليه والحصار البحري المفروض من قبل إسرائيل ورفض اسرائيل خروجهم اصلا لولا إصرار ياسر عرفات علي وجود تعهدات من دول عظمي لتأمين خروج المقاتلين والقيادات تحت حماية دوليه ولولا التعهد الشخصي من الرئيس الامريكي رونالد ريجان بضمان سلامة المقاتلين والقيادات وعائلاتهم فاضطرت إسرائيل الي الموافقه علي خروجهم وعلي ذلك فقد كانت عملية النقل لقرابة خمسة عشر ألف مقاتل بأسلحتهم وعتادهم عباره عن مظاهره بحريه ضخمه تحرسها السفن والبارجات الامريكيه والفرنسية والإيطالية الي وجتهم الجديده . وكان استقبال ياسر عرفات وقيادات المنظمه في تونس استقبال الابطال تقديرا لصمودهم البطولي وعدم انصياعهم للاستسلام او الخروج دون ضمانات واهتمام دولي بهذا الحدث النضالي الكبير والذي بفضله امكن أن تظل هذه القضيه في بؤرة الاهتمام العالمي كلما انطفأ بريقها وقل الاهتمام الدولي بها . وبعد أن استقرت قيادات المنظمه في خندقها الجديد لم تسلم مقراتها ومكاتبها في تونس من القصف الإسرائيلي المتكرر والذي راح ضحيته ضمن ضحايا كثيرين اثنان من أكبر قيادات المنظمه هما خليل الوزير أبو جهاد وصلاح خلف ابو اياد . والي هنا تنتهي محطه اخري من محطات المقاومه الفلسطينيه والتي تميزت بتعدد النكبات والتنقل بين التلال التي تطل علي بلادهم المقدسه لتحريرها. ظل الحال كذلك لمدة عشر سنوات الي أن انطلقوا الي حلقه اخري من حلقات النضال علي موائد المفاوضات في أوسلو ومابعدها والذي مهد الطريق فيما بعد لإقامة السلطه الفلسطينيه في غزه والصفه الغربيه ..

وندعو الله أن يكون ماهم فيه الأن هو التل الاخير تل النصر والتحرير

مهندس فايق الخليلي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *