أخبار مصر

نبيل فهمي يكتب: كفانا كلاما (2).. بعد القدس وغزة مسارات متعددة

حظى مقالى الأخير بنفس العنوان الرئيسى بصدى واسع ومتنوع، صدى يحمل فى طياته دلالات سياسية مهمة.
اصاب الكل فى أن المقال عكس غضبة وامتعاضة من جانبى، وذهب البعض أن اقتراحاتى لم تكن بالقوة المطلوبة، داعين إلى مقاطعة إسرائيل وحلفائها على المستوى الدولى، بل وتجميد مشاركتنا كعرب فى المؤسسات والساحات الدولية التى لا تتخذ مواقف واضحة ومحددة لوقف الجرم الإسرائيلى ومحاسبة الدولة المحتلة، ولهم عذرهم وأحترم منطقهم، لأن الجرم كان قاسيا فى القدس ومن بعد ذلك فى غزة، علما اننى بادرت بالذكر أن المطروح مجرد خطوة أولى على طريق محاسبة المعتدى، بعد تكرار التجاوزات السياسات الاسرائيلية الممنهجة لتهويد القدس والتهجير القصرى للفلسطينيين، ممارسات عرضت جذورها وتواصلها صحيفة النيويورك تايمز، وكذلك المجموعة الدولية للأزمات، وهى مؤسسات بعيدة كل البعد عن النفوذ العربى.
فى حين رأى آخرون، محبطون وفاقدين الامل فى تحريك الموقف، أن اقتراحاتى ومطالباتى من العرب والمجتمع الدولى وعلى رأسهم الدول العظمى والولايات المتحدة غير واقعية ومستحيلة المنال، لانها ليست على استعداد أو غير قادرة على اتخاذ مواقف مؤثرة فى إطار المنظومة الدولية الحالية ومواءماتها والوضعية الخاصة لإسرائيل عالميا ودوليا.
وفى الحقيقة لم أفاجأ بتلك التعليقات أو استغرب تباين المواقف بينها، بل اشاركهم بالفعل الشعور بالغضب والاحباط، وهو غضب ازداد مع فشل مجلس الأمن مرات فى وقف إطلاق النار، وانما أختلف مع من يرى أن الطلبات غير واقعية أو مبالغ فيها، لأنها جميعا تقع فى إطار القانون الدولى والمواقف التقليدية للدول منذ زمان طويل، حتى فى الولايات المتحدة ما قبل الرئيس دونالد ترامب، ومستمرة فى الدول الغربية التى لا تزال تعتبر أن القدس أراض محتلة، وأن الاعتداء على المدنيين محرم، وان احترام الشعائر الدينية للآخرين واجب، وترفض الإفراط فى استخدام القوة وتعرض المؤسسات المدنية والمستشفيات من جرائم الحرب، وأتمسك شخصيا بأن القانون هى السبيل الوجيد للدول المتوسطة للحفاظ على حقوقها، واحذر انه من بالغ الخطورة لنا وللنظام الدولى بأكمله التعايش مع مخالفات القانون الدولى والإنسانى.
واتمسك بل ألح فى المطالبة باتخاذ قرارات محددة ومؤثرة لوقف الممارسات الإسرائيلية على حساب الفلسطينيين، ارفض ان يعجزنا الاحباط عن التحرك، أو يدفعنا للسكوت على الجرم المبرح ضد شعب تحت الاحتلال.
وبعد الدمار الواسع وقتل للمدنيين تجاوز المائتين فى غزة، من ضمنهم ستون طفلا واكثر من ثلاثين امراة، وتدمير 13 مستشفى ومصحة، تم التوصل إلى وقف إطلاق النار مهم وضرورى عبر حدود غزة، بناءً على جهد متوازٍ من مصر والولايات المتحدة، وهى خطوة أولى حميدة، وانما ‏وقف إطلاق النار مع أهميته لن يظل مستقرا ومؤثرا على المدى الطويل إذا استمر الظلم قائما والمعاناة منتشرة، ومخالفات القانون الدولى قائمة، والتجاوزات الإنسانية مستمرة، دون محاسبة الظالم ورفع المعاناة عن المظلوم، وهناك مؤشرات واضحة الآن ان اسرائيل تتوسع الآن فى اعتقالاتها فى الضفة الغربية لردع اهلها ومحاسباتهم على مواقفهم فى المسجد الاقصى، ولتحذيرهم ان أى حشد او تظاهرات سيواجه بحسم وقوة.
وكان ملفتا للنظر رفض قطاع واسع من الرأى العام الدولى للممارسات الاسرائيلية غير الإنسانية، وخاصة بين الشباب فى الدول الغربية، شباب يتعامل مع الواقع والحاضر، له حس انسانى متنامٍ، وغير مقتنع بالدعوات الاسرائيلية انها دولة ضعيفة ومهددة من جيرانها.
لذا اقترح ان تتحرك السلطة الفلسطينية والدول العربية على مسارات متعددة بالتوازى، احدها انسانى بالتعاون مع المجتمع المدنى عربيا وفلسطينا واسرائيليا ودوليا، للتأكيد على رفض التجاوزات الإنسانية من جانب، ولمحاسبة المخالفين للقواعد الدولية لحقوق المواطن حتى تحت وطأة الاحتلال فى الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة، من خلال:
ا) التحرك فى مؤسسات الامم المتحدة ومجالس حقوق الانسان والمحاكم الدولية لضمان التزام إسرائيل بمسئوليتها كدولة احتلال وفقا لاتفاقية جنيف الرابعة ولوقف الممارسات غير الإنسانية مثل تهجير المواطنين وهدم منازلهم كما شاهدنا فى القدس، واستهداف مناطق سكنية ومرافق الخدمة العامة المدنية فى غزة، وتشكيل لجنة او لجان دولية عالية المستوى لمتابعة تلك المخالفات.
ب) السعى فى المحافل القانونية والإنسانية لمحاسبة اسرائيل على تجاوزاتها غير الإنسانية.
ج) إبراز ازدواجية المعايير والتميز ضد مواطنى إسرائيل من أصل عربى، والذى وصل إلى درجة جعلت مركز كارنيجى الأمريكى يصفها بأنها ممارسات عنصرية توازى الأبرتايد فى جنوب أفريقيا سابقا.
د) حشد الدعم المالى لرفع المعاناة عن الشعب الفلسطينى فى المخيمات أو نتيجة لهدم منازلهم قصدا فى الضفة وكذلك الدمار الذى شهده قطاع غزة على أثر العمليات العسكرية الإسرائيلية الإجرامية آخرا، وهنا أود الترحيب بما اعلنته مصر من دعم لقطع رغم كل ما تواجهه دولتنا العزيزة من ضغوط لإعادة البناء والتنمية المستدامة وطنيا.
وعلينا ايضا تنشيط المسار السياسى والقانونى للقضية الفلسطينية لتحصين حقوق هذا الشعب البطل وقواعد واسس حل النزاع، واستخدم كلمة «تحصين» عن قصد، لأن تنامى التيار اليمينى الإسرائيلى يجعل من احتمالات حل الدولتين فى المستقبل المنظور شبه معدومة، بل وترجح احتمالات فرض واقع الدولة الواحدة واستمرار النزاع حول الحقوق والهوية، مما يفرض علينا تحصين الاسس والحقوق لظروف مستقبلية افضل مع تغيير التركيبة السياسية الاسرائيلية او تزايد الضغوط الدولية التى تجعل اسرائيل تتبنى مواقف تسمح بحل الدولتين.
وأقترح التحرك فى عدة اتجاهات محددة ودقيقة؛
ا) ــ لاصدار قرارات من مجلس الامن والجمعية العامة للتأكيد على أن الأراضى المحتلة فى 5 يونيو ١٩٦٧ بما فى ذلك القدس الشرقية أرض محتلة.
ب) وتأكيدا على الحق الفلسطينى أرى السعى لإصدار إعلانات من أكبر عدد من الدول بالاعتراف بالحق الفلسطينى لإقامة دولة سيادية ومتصلة وعاصمتها القدس الشرقية على أساس الأراضى التى احتلت فى يونيو ١٩٦٧.
ج) تقدم السلطة الفلسطينية بعد ذلك بطلبات للانضمام للمنظمات الدولية باعتبار فلسطين دولة تحت الاحتلال.

نبيل فهمي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *