آراء وتحليلات

من ذكريات 5 يونيو _2

كتب المهندس: فايق الخليلي 

وصلنا في المقال السابق الي احتلال سيناء بالكامل وقول اخي بأن عائلتنا انحصرت فيما تبقي منها نحن حيث أن العائله كانت موزعه علي عدة بلدان والدي الضابط وأمي وأخواي الاثنين الذين يصغرونني وخالتي التي عاشت في كنفنا منذ طفولتها كانوا في الطور التي احتلت ولانعرف مصيرهم وأخي الأكبر فؤاد في الاسماعيليه في الحرس الوطني ولانعرف مصيره أيضا وأخوتي الاثنين في جامعة أسيوط وهؤلاء في مأمن وعلي اتصال بنا وانا واختي مع اخي المهندس وزوجته في اسوان حينئذ قال اخي الدكتور أنه ذاهب ليبحث عن اهله ووالده ثم يتطوع بعدها في الجيش وكان هذا هو الشعور السائد بين الشباب وقتها وبعد ذلك بعدة أيام أعلن الرئيس جمال عبد الناصر تنحيه عن الحكم وكنت حاضرا مع اخي المهندس نستمع للخطاب فما كان من اخي الا وقد اجهش بالبكاء وقال بطريقه هستيرية لا لا حتسيبنا لمين ياجمال حتسيبنا لمين ياجمال ووضع رأسه بين كفيه واجهش بالبكاء الشديد مرددا لا لا حتسيبنا لمين احنا لازم نحارب تاني وانا مندهشا مما اسمعه واراه الهذا الحد كان الناس يحبون بلدهم ولايرضون بهزيمتها ولهذا الحد كانو يحبون رئيسهم وهذا الموقف من المواقف التي شكلت وجداني الوطني وحب بلدي والذي اعيش فيه حتي الآن واورثته لاولادي وماهي الا دقائق حتي كانت الشوارع مكتظة بالناس بطريقه تلقائيه وعفويه وهتاف واحد جمعهم حنحارب حنحارب ونزلنا جميعا في الشوارع ونحن نردد حنحارب حنحارب وفتح التليفزيون قناتيه في بث مباشر لهذه المظاهرات التي عمت جميع أرجاء البلاد رافضه للهزيمه وإصرار كامل علي مواصلة الحرب حتي استرداد الأرض . وفي هذه الأثناء كان هناك نداء بالميكروفونات للتطوع في الدفاع المدني فذهبنا أنا وزملائي وكنا للتو قد أنهينا امتحانات أولي اعدادي ذهبنا للتطوع وحيث كنا صغارا فلم يحرمونا من شرف التطوع واوكلوا الينا مهنة وضع شاش مدهون باللون الازرق علي شبابيك المنازل علاوه علي سيرنا ليلا في الشوارع لتنبيه الناس بإطفاء الانوار خوفا من استهدافها أثناء الغارات فكنا عندما نري ضوء يخرج من احد الشبابيك ننادي طفي النور طفي النور . وأخذنا علي هذا الحال اياما طوال . ثم بدأت رحلة البحث عن الأهل وقد تطوع لهذه المهمه اخي الدكتور فايز رحمه الله فجاب البلاد شرقا وغربا وخصوصا مدن القناه التي هاجر أهلها الي باقي محافظات الجمهوريه وبعد عدة أيام رجع اخي حاملا خبر أن والدنا علي قيد الحياه وأنه مع جنوده يحرسون منطقة جبل عتاقه بخليج السويس وقد قابله شخصيا وأخبره أنه أوصي اهله بأن يذهبوا الي أحد أقاربه في القاهره لحين اجتماع الشمل وبعد عدة أيام وصل تلغراف الينا في اسوان من والدتي رحمة الله عليها بأنهم في القاهره عند ابن عمنا اللواء سعد الخليلي وبأن جميعهم بخير ويطلبون مچئ أحد منهم لياخذوهم حيث هم وقد سافر فعلا اخي واحضر اهله متجها مباشرة الي اسيوط حيث كانوا يستأجرون شقه صغيره ثم انتقلنا من اسوان لننضم انا واختي الي الاسره وكان اللقاء مع والدتي وأخوتي مشهدا لايوصف ولايستطيع اي مخرج محترف ذو حس عاطفي راقي أن يتخيله واستقر بنا الحال في هذه الشقه عدة أشهر وفي ساعه متاخره من أحدي الليالي سمعنا طرقا علي الباب غير معتاده في هذا الوقت خصوصا اننا لانعرف أحدا في هذه البلاد الغريبه عنا فما كان من والدتي رحمة الله عليها أن قالت هذا اخوكم فؤاد ياولاد أنا شامه ريحته وفعلا فتحنا الباب وإذا به أمامنا فأخذت والدتي تحتضنه بشده قائلة حمدالله على سلامتك يامه حمدالله على سلامتك ياحبيبي وأخذ يحتضننا واحدا واحدا وبرغم المحنه التي كان وكنا بها إلا أنه لم ينس أن يحضر هديه معه فكان قفصين من المانجه الاسماعيلاوي هي الهديه والتي حملها بمفرده طوال هذا السفر الطويل وقد حكي لنا أن تأخيره موال هذه المده كان بسبب شويه أصيب بها في ظهره أثناء العمليات العسكريه والذي عاني منها فتره طويله . وهكذا كان شمل العائله يكتمل شيئا فشيئا ولم يتبق إلا والدي رحمة الله عليه والذي كنا نعرف أنه علي قيد الحياه ولكن متي نراه لانعلم . ومرت عدة شهور علي هذا الحال وفي أحدي الليالي طرق باب الشقه وماان فتح الباب حتي وجدنا والدي بزيه العسكري والرتب تلمع علي كتفيه امام أعيننا وكان موقفا مهيبا دراميا خرافيا الكل يحتضنه ويقبله ويقول حمدالله على السلامه يا بابا والدموع تنذرف بغزاره من كل العيون وكانت المره الأولي في حياتي التي اري والدتي تحتضن والدي وتقول حمدالله على السلامه ياحبيبي البركه بسلامتك أنا قلبي حاسس أنا حنتجمع تاني ووزع علينا الهدايا التي أحضرها لنا من سفره البعيد وكانت اجمل هديه لنا جميعا هي وجوده بيننا . وبعد عدة أيام تفقد والدي هذا البلد الجديد واطمئن أن بها جميع المدارس والكليات والمساكن النظيفة فضلا عن أن اخوتي طلبه بجامعتها فقرر الوالد أن تدنستقر جميعا باسيوط فاستأجر لنا شقه واسعه وبدأت رحلة التقديم للمدارس من ابتدائي الي الجامعه والتي قضينا بها حتي تخرجنا جميعا من الجامعه وكانت لهذه البلاد فضلا علينا جمعت شملنا واكملنا تعليمنا وتعرفنا فيها علي أفاضل الناس الذين كانوا يعتبروننا من الأهل والاحباب

تحيه الي روح والدي ووالدتي وزوجتي وأخوتي الذين رحلوا وأدوا رسالتهم علي اكمل وجه رغم كل الظروف الصعبه من مواصلة رحله مريره من الكفاح

ورحم الله شهداء الوطن الذين لولا دماءهم الطاهره ماكنا فيما نحن فيه الآن وحفظ الله مصر من كل سوء

مهندس فايق الخليلي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *