آراء وتحليلات

حكاية نمساوية.. ولدينا كثير منها حكايات سيناوية

بقلم / سهام عزالدين جبريل
ونحن فى مرحلة تمهيدى دكتوراه كنا ندرس عدة مواد خاصة بتاريخ الشعوب وكانت احدى المحاضرات تتحدث عن المواطنة وقف استاذنا االكبير استاذ العلوم السياسية ليلقى المحاضرة بكل حماس وبدا كلماته وقال : الذي يسرق وطنه مستعد لسرقة قبر أمه وأبيه ، ومن هنا سوف ابدأ لكم محاضرة اليوم :
في عام 2003 , أوفدت لدورة تدريبية في فيينا لمدة 14 يوم . وكان المشرف على الدورة التدريبية دكتور “كرينكل” وهو نمساوي من مدينة سالزبورغ ، وكان عمره تقريبا 73 سنة , أي أنه عاصر الحرب العالمية الثانية وكان شاهداً على احتلال النمسا من قبل دول الحلفاء.
في منتصف الدورة ، دعانا لزيارة متحف التاريخ النمساوي في وسط فيينا .
وعند ذهابنا للمتحف , ذهلنا بما رأينا من تاريخ الأباطرة والأمراء والملوك النمساويين ولما يحتويه المتحف من أشياء لا تقدر بثمن!!!
وهناك , سألت “د. كرينكل” إن كانت هذه الأشياء حقيقية أم تقليد للأصل؟ فأستغرب سؤالي ثم قال : لماذا تسأل؟
قلت له : لأني استاذ فى العلوم السياسية وملم بالتاريخ وأعرف أن الحلفاء إحتلوا فيينا ، وأنه أصابها من الدمار المتعمد ما أصاب برلين ، وأن الحلفاء دمروا متعمدين المتاحف، ونهبوا المدينة . ضحك البروفوسير
وقال لي : أنت على حق . فعند دخول البريطانيين فيينا ، دمروا ونهبوا كل شيء ، ونالت فيينا عقوبة إنضمامها إلى الحرب مع ألمانيا
ولكن عندما أكمل حديثه عما فعله سكان فيينا لحماية ثروات بلدهم , سالت دموعي دون إرادة وأنا أقول : “يا ويلي ويل أسفاه على أمتي
واستمر فى الحديث حيث قال : في الليلة التي عرفنا أن البريطانيين سوف يدخلون فيينا ، ذهب كل أهالي فيينا كباراً وصغاراً إلى البنوك والمتاحف ومؤسسات الدولة ، وكل شخص أخذ ما قدر على أخذه من الذهب والأموال والتحف والآثار والوثائق ومنها كانت جوهرة للإمبراطور النمساوي وصولجانه ومهد ابنه ، وهي قطع لا تقدر بثمن اليوم بالإضافة إلى سبائك الذهب ، وكميات ضخمة من الأموال . قال “كرينكل” : أخذناها قبل أن ينهبها الجنود الإنكليز وكان ذلك عام 1945.
وبعد انتهاء الحرب وحصلنا على إستقلالنا عام 1955 ، بدأنا ببناء بلدنا من جديد . فقام , “وهنا بيت القصيد” , كل شخص يجلب ما أخذه وأعاده للبنوك والمتاحف والمؤسسات العامة والخاصة ، وبذلك , أعدنا بناء بنوكنا ومتاحفنا ومؤسساتنا من جديد، ولم نخسر أي شيء
،من تاريخنا وثرواتنا ، وأعدنا إعمار بلدنا من جديد ، عاشت بلادنا عشر سنوات عجاف
كانت البلد تحت احتلال أجنبي ، ولكن هذه التحف والأموال كانت محمية بكل عناية في بيوت الناس ولم ينقص منها شيء بالتعفيش والتهريب , بل تمت إعادتها كاملة لمؤسسات الدولة وللبنوك وللمتاحف ، كما كانت دون نقصان بعد كل هذه الفترة العصيبة الطويلة .
وهنا ختم استاذتنا كلماته بقوله هل عرفتم الآن لمن ستكون البلد ؟
إن البلد الذي يتم سرقة بنوكه ومتاحفه وآثاره ومؤسساته ومعامله من قبل حثالة أهله وبيعها وتهرببها للخارج ، لا تأمل من هؤلاء الخير حتى وإن أصبحوا من مالكي الملايين أو المليارات ، فالذي يبيع تاريخه وتراثه وآثاره, هو مستعد أن يبيع للعدو الأجنبي سيادة وإستقلال بلده ، وحرية أهله وكرامتة ـ
هذه القصة حكاها لنا أستاذنا العالم الكبير فى هذه المحاضرات لشرح عملى عن معنى الوطنية لدى الشعوب ، واختص فى قصته دولة النمسا لانه سمع الرواية وشاهد ماحدث
فى الحقيقة أن هذه الرواية ، استدعتنى أن استئذن استاذنا بمداخلة ، وقلت استاذنا الكبير اسمحلى أن اقدم لحضرتك نموذج حى من واقعنا المصرى الذى عشناه وعاشه اهلنا فى سيناء فهذه الرواية النمساوية لدينا نماذج نفسها بل اكثر منها واعظم منها ايضا ، هذه الحكايات عاشها أهلنا في سيناء ونسجوا منها قصص للتحدى والمقاومة والصمود والدفاح عن التراب الوطنى ومقدرات الوطن ، ففي ٥ يونيو ٦٧ عندما سقطت مدينة العريش بعد معركة دامية ومقاومة شرسة توحد فيها الأهالي مع مجموعة من الضباط العائدون من خطوط المواجهة في المعسكرات الامامية وتم تشكيل فرق للمواجهة ومنع الجيش الاسراىيلي من اقتحام مدينة العريش وظلت المقاومة التي استمرت ٧ ايام حتى نفذت الذخيرة ، وقاوم الأهالي مع ضباط الجيش حتى آخر قطرة وحتى آخر نفس فهناك من نال الشهادة واخرون حملوا على اكفهم اعمارهم واسسوا فرق المقاومة الوطنية ضد قوات لاحتلال ، فقامت هذه الفرق بتنظيم بعملها والتحرك بسرعة فى عدة اتجاهات ، فهناك من كان مسؤل على تجميع الجيش العائد وسرعة الايواء والاستضافة ، وهناك من كان يجمع الجرحى والمصابين منىدروب الصحراء ويتم نقلهم داخل البيوت التى تحولت الى مستشفيات ،حيث تم اخلاء المستشفى العام من اى مصابيناو جرحى عسكريين ، وفي نفس الوقت تحركت فرق من الأهالي لحماية الممتلكات الحكومية وتم جمع كل أجهزة اللاسلكي المتواجدة في مقر المخابرات وجميع اجهزة التليفونات والأثاث والمكاتب وكل ماكينات الطباعة ، وماكينات طباعة البطاقات الشخصية وكافة الوثائق الموجودة فى كافة المصالح الحكومية ، كما تشكلت مجموعة اقتحمت فرع بنك اسكندرية المتواجد وسط المدينة وسحب كل الأموال المتواجدة فيه وفي كل البنوك وتم رصدها وكتابة كل المبالغ في كشوفات وتم وضعها في طرود واخفائها ، كذلك الأسلحة والبنادق وملابس الجنود والظباط وكل هذه الأشياء تم حفظها فى اماكن داخل بيوتنا وظللننا نحتفظ بها من عامى67 وحتى عودة مدينة العريش فى مايو 79 ، منها ماتم تسليمة الى قوات الاستطلاع المصرية التى كانت تعمل خلف خطوط العدو ومنها ماتم تسليمه للمخابرات الحربية ، وهناك كثير من المقتنيات التي احتفظ بها الأهالي خوفا من سرقتها على أيدي قوات الاحتلال وتم تسليمها بعد عودة مدينة العريش في مايو ١٩٧٩م
وأضافت احببت أن أحكى ولو جزء ىبسيط من حكايات الاباء والامهات والادوار العظيمة التى قاموا بها فى مرحلة من اصعب سنوات عاشها الوطن ، تأكدوا أن هذه النماذج موجودة في بلادنا وأكثر منها وبصورة مشرفة ولكن أحداثها لم تكتب لقد كنا حينها أطفالا لكن عيوننا وعقولنا كانت تسجل كل ذلك من ارض الواقع ولاني انا وكل جيلى من أطفال سيناء كنا شاهدين على ذلك ووجب علينا نقله وتوثيقة عن الآباء والأجداد، انها حكايانا التى سنظل نحكيها ونفخر بسردها ولدينا كثير منها حكايات سيناوية من واقع عشناه يترجم قيم المواطنة التى تعلمناها فى بيوتنا بيوت المقاومة الوطنية .

خالص تحياتى
سهام عزالدين جبريل

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *