آراء وتحليلات

المقالة الثانية رمضان كريم

بقلم د. عماد عبد الرؤوف الرطيل
دكتوراه الآثار الإسلامية
كلية الآثار جامعة القاهرة

 

لم يحظ شهر من الشهور العربية بمثل ما حظى به شهر رمضان وأول ما يطالعنا من آيات التبجيل والتعظيم أنه الوحيد الذى استأثر بلفظة كريم. فما أن يهل الشهر علينا الا ان تكون عبارات التهنئة بين عامة الناس وأولها تكون “رمضان كريم” وذلك لما يحمله إلينا هذا الشهر من عظيم الفضل وواسع الجود وكثرة العطايا والتى إن عددتها فإنها تحتاج إلى صفحات وصفحات لا نستطيع ذكرها فى هذا المقام، لذا سوف أقتطف منها بعض الأزهار التى تزين بستان هذا الشهر الكريم والتى تبدأ من أول ليلة من لياليه حيث تصفد الشياطين والجان وتغلق أبواب النار وتفتح أبواب الجنان، وثانى هذه القطوف أن الله سبحانه وتعالى خص الصيام بأنه له سبحانه وهو الوحيد الذى يجزى به.
وثالثها أن فى كل ليلة من لياليه عتقاء من النار ولكل عبد دعوة مستجابة، وهو الشهر الذى أختصه الله سبحانه وتعالى بإنزال كتبه على رسله حيث كانت صحف إبراهيم فى أول ليلة، والتوراة نزلت فى السادس منه، والإنجيل فى الثالث عشر، والزبور فى الثامن عشر، وأنزل القرآن فى ليلة القدر فى العشر الآواخر من رمضان. من تلك النفحات أيضاً أن العمرة خلاله تعادل حجة مع الرسول الكريم، كما تعهد الله سبحانه وتعالى للمؤمن الذى يصوم إيماناُ واحتساباً يغفر له ما تقدم من ذنبه وغير ذلك من التجليات العظيمة والقطوف الدانية التى أختصت بها أمة خير الأنام محمد عليه الصلاة والسلام.
ومن كرمه أيضاَ ما حض عليه الرسول الكريم من وجوب السحور لأن فيه بركة حتى لو كان قليل كجرعة ماء أو عدد من التمرات، كما قال رسول الله صل الله عليه وسلم ووصف السحور بانه “بركة” لأنه يجمع كل خصال الخير ويسهل الوصول والحصول على النعم. ونأتى إلى غاية الكرم ودرة الهبات الربانية بأنه فيه ليلة من آجل وأعظم الليالى قال فى شأنها رسول الله صل الله عليه وسلم “وفيه ليلة هى خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم” وأن من قام ليلة القدر إيماناً وإحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه. وقد أخفى تحديد يومها يقيناً وإن قد أشير إلى أنها إحدى ليالى الوتر فى العشر الأخيرة فى رمضان، وإن كان الرسول الكريم قد أعطانا ملامح وصفات تكون عليه هذه الليلة المباركة بأنه قال “ليلة القدر ليلة سمحة طلقة لا حارة ولا باردة تصبح الشمس صبيحتها ضعيفة حمراء”.
ولم تقتصر فضائل شهر رمضان على تلك الروحانيات الرائعة والسجايا الحميدة ولكنه كان أيضاً شهر اً حوى أهم الفتوحات، وعظيم الأنتصارات التى قوضت دعائم الكفر ودقت أعناق أكبر إمبراطورتين فى تلك الأزمان وهى الفرس والروم، فمنها ما حدث فى حياة النبى الكريم، ومنها ما توالت فى عهد الخلفاء الراشدين، ثم الدول التى تعاقبت بعد ذلك ويحظى تاريخنا الإسلامى بالكثير من هذه الأحداث أذكر منها.
نزول الوحى والقرآن على الرسول صل الله عليه وسلم وبدء الدعوة الإسلامية، ووفاة أبى طالب عم الرسول عليه الصلاة والسلام وذلك فى السنة العاشرة من بعثته صل الله عليه وسلم، ووفاة أم المؤمنين خديجة وذلك أيضاً فى السنة العاشرة من المبعث وقبل الهجرة بنحو ثلاث سنين وهو ما سمى بعام الحزن.
وفى السابع عشر من شهر رمضان من السنة الثانية للهجرة وقعت غزوة بدر الكبرى والتى أطلق عليها القرآن الكريم أسم “يوم الفرقان”، وهى أولى المعارك المهمة فى التاريخ الإسلامى، حيث كان عدد المسلمين فيها ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، وعدد المشركين تسعمائة وخمسين رجلاً.
ومن الأحداث التى وقعت فى السنة الثامنة للهجرة فتح مكة، وكان خروج النبى صل الله عليه وسلم من المدينة فى العاشر من رمضان. وفى اليوم الثانى من رمضان عام 114 هجرية حدثت معركة بلاط الشهداء الشهيرة، وقد اشتعلت هذه المعركة بين المسلمين بقيادة عبدالرحمن الغافقى والفرنجة بقيادة شارل مارتل وذلك بمنطقة بواتييه الفرنسية، وكان من أهم نتائجها أنها أوقفت المد الإسلامى إلى كل أوروبا.
وفى 15 رمضان 138 هجرية الموافق 20 فبراير 756 عبر عبد الرحمن الداخل المعروف بصقر قريش البحر إلى الأندلس ليؤسس دولة إسلامية قوية وهى الدولة الأموية فى الأندلس. وفى السادس من شهر رمضان سنة 223 هجرية جهز الخليفى العباسى المعتصم جيشاً لحرب الروم استجابة للصرخة الشهيرة لإحدى النساء المسلمات “وااا معتصماه”، حيث حاصر عمورية إلى أن سقطت ودخلها المسلمون فى السابع عشر من شهر رمضان.
وفى 26 من شهر رمضان المبارك 584 هجرية الموافق للسابع عشر من شهر نوفمبر للعام الميلادى 1188، كانت موقعة حطين بقيادة السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبى، إلا أن هناك أختلاف بين بعض المؤرخون حول تاريخ موقعة حطين ويذكر غالبية المؤرخين أنها وقعت يوم السبت 25 ربيع الثانى 583 هجرية الموافق 4 يوليو 1187بتلال حطين بالقرب من طبرية وأعتقد أنه التاريخ الأقرب إلى الحقيقة.
وفى 25 رمضان 658 هجرية خرج سلطان مصر سيف الدين قطز من مصر على رأس الجيوش المصرية وذلك لملاقاة جيش المغول الرهيب فى معركة عين جالوت وأنتصر فيها المسلمون إنتصاراً ساحقاً وأدت المعركة لإنحسار نفوذ المغول فى بلاد الشام وخروجهم منها نهائياً وإيقاف المد المغولى. وفى الرابع من شهر رمضان عام 666 للهجرة (1268 ميلادى) نجح المسلمون بقيادة الظاهر بيبرس فى استرداد مدينة إنطاكية من يد الصليبين بعد أن ظلت أسيرة فى أيديهم 170 عاماً.
ولعل أعظم انتصاراتنا فى زماننا المعاصر ما كان فى حرب العاشر من رمضان المبارك الموافق السادس من أكتوبر عام 1973 حيث شنت كل من مصر وسوريا الحرب على إسرائيل وعبر الجيش المصرى قناة السويس محطماً خط بارليف.
هذه بعض السجايا والهبات التي حظى بها شهر رمضان المعظم والكريم وهو فرصة متاحة للجميع لمراجعة النفس وإدراك ما سلف من تقصير وتفريط في حدود الله والعودة إلى طريق الحق والهداية وأن يكون صومنا خالصاً لوجه الله تعالى حتى نستطيع أن نفوز الفوز العظيم وندخل من باب الريان الذى خصه المولى عز وجل لعباده الصائمين.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *