الأدب

خبير آثار يرصد الشخصية والهوية المصرية فى احتفالات شم النسيم

أكد خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان عضو المجلس الأعلى للثقافة لجنة التاريخ والآثار بالمجلس الأعلى للثقافة، أن كل المفردات التراثية لاحتفالية شم النسيم مرتبطة بالشخصية والهوية المصرية ولها جذورها فى مصر القديمة، وأن المصري القديم عرف 4 فصول وليس 3 كما يشاع، شمو وهو الصيف، وحن شمو أي ح نشم وهو الربيع، وبرد أو برت أو أرجوف أي أرجف وهو الشتاء، وأخت أوحنفرو وهو الخريف، ومن يذكر أن شمو هو شم النسيم أى فصل الربيع غير صحيح لأن شمو فصل الصيف وليس الربيع.

ويضيف الدكتور ريحان أن شم النسيم ارتبط بالزهور ويتوافق هذا مع اهتمام المصرى القديم بالحدائق والزهور وتصويرها على جدران المقابر مثل مقبرة الكاتب نب أمون فى جبانة طيبة على الضفة الغربية لنهر النيل التى أكتشفت عام 1820 بواسطة اليوناني الشاب جيوفاني أثاناسي، وأكثر لوحات المقبرة شهرة توضح نب آمون أثنا صيد الطيور في المستنقعات، ورقص الفتيات في مأدبة كبيرة، و بركة في حديقة مورفة الظلال على جوانبها أشجار مختلفة الأنواع.

كما عرفت مصر القديمة مهنة كبير البستانيين ومنسق الزهور المقدسة وهو (مين نخت) الذى عاش فى عهد  الملك  أمنحتب الثالث وكان يدعى بستانى القرابين المقدسة لأمون كما صور فى مقبرتة بطيبة أجمل باقات الزهور المصرية وهو  أكبر مشتل زهور مصور فى الآثار المصرية

وهناك حدائق النبلاء بمصر القديمة فى مناظر مقبرة (اننى) المهندس المعمارى الخاص بالملك تحتمس الأول حيث سجل على جدران مقبرتة رقم 81 فى طيبة عدد 73 شجرة جميز و31 شجرة لبخ  و170 نخلة و120 شجرة دوم وخمس شجرات تين و12 شجرة عنب  وخمس شجرات رمان و16 شجرة خروب وخمس شجرات نبق.

وينوه الدكتور ريحان إلى ارتباط أكلات شم النسيم بالهوية المصرية والجذور التاريخية فالبيض الملون والذى أطلق عليه الأوروبيون بيض الشرق، يرمز لخلق الحياة كما ورد في متون كتاب الموتى وأناشيد أخناتون “الله وحده لا شريك له خلق الحياة من الجماد فأخرج الكتكوت من البيضة”، ونقش البيض وزخرفته ارتبط بعادة قدماء المصريين نقش الدعوات والأمنيات على البيض ثم يعلق فى أشجار الحدائق لتحقيق الأمنيات مع الشروق، ويوجد بمتحف النوبة بيضة حُفر عليها منظر  للأهرامات.

والفسيخ من بين الأطعمة التقليدية فى شم النسيم منذ الأسرة الخامسة عندما بدأ الاهتمام بتقديس النيل نهر الحياة حيث ورد فى متونه المقدسة أن الحياة فى الأرض بدأت فى الماء ويعبر عنها بالسمك الذى تحمله مياه النيل من الجنة حيث ينبع حسب المعتقد المصرى القديم وقد ذكر المؤرخ الإغريقى هيرودوت أن قدماء المصريين كانوا يأكلون السمك المملح فى أعيادهم ويرون أن أكله مفيد فى وقت معين من السنة وكانوا يفضلون نوعًا معينًا لتمليحه وحفظه للعيد أطلقوا عليه اسم (بور) وهو الاسم الذى حور فى اللغة القبطية إلى (يور) وما زال يطلق عليه حتى الآن

ويشير الدكتور ريحان إلى البصل وقد ارتبط ظهوره بما ورد فى إحدى  أساطير منف القديمة أن أحد ملوك مصر القديمة كان له طفل وحيد وكان محبوبًا من الشعب وقد أصيب بمرض غامض أقعده عن الحركة وعجز الأطباء والكهنة والسحرة عن علاجه ولازم الفراش عدة سنوات واستدعى الملك لعلاج الطفل  الكاهن الأكبر لمعبد آمون فنسب مرضه إلى وجود أرواح شريرة تسيطر عليه وتشل حركته بفعل السحر وأمر الكاهن بوضع ثمرة ناضجة من ثمار البصل تحت رأس الطفل فى فراشه عند غروب الشمس بعد أن قرأ عليها بعض التعاويذ ثم شقها عند شروق الشمس ووضعها فوق أنفه ليستنشق عصيرها.

ثم طلب الكاهن منهم تعليق حزم من أعواد البصل الطازج فوق السرير وعلى أبواب الغرفة وبوابات القصر لطرد الأرواح الشريرة وشفى الطفل وأقام الملك الأفراح فى القصر لأطفال المدينة ولما حل عيد شم النسيم بعد أفراح القصر بعدة أيام قام الملك وعائلته وكبار رجال الدولة بمشاركة الناس فى العيد وتعليق حزم البصل على أبواب دورهم.

وما زالت حتى الآن فى بعض قرى الصعيد توضع بصلة أمام كل منزل يوم شم النسيم وحديثًا أكد الدكتور جميل القدسي استشاري التغذية أن البصل هو الحل الأمثل للحد من انتشار فيروس البرد فبعد تقطيع البصل في الغرفة يمنع ‏الفيروسات‬ ونزلات البرد حيث يمتص البصل الفيروسات وأن ‏رائحة‬ البصل أو المركبات الفعالة الموجودة في البصل عندما تتطاير تقوم بقتل الفيروسات في الغرفة.

وتابع الدكتور ريحان أن الخس منذ الأسرة  الرابعة وكان يقدم فى سلال القرابين وعلى موائد الاحتفال بالعيد وكان يسمى بالهيروغليفية (حب) كما اعتبره المصريون القدماء من النباتات المقدسة الخاصة بالمعبود (من) إله التناسل ويوجد رسمه منقوشًا دائمًا تحت أقدام المعبود (من) فى معابده ورسومه.

ومنذ عام 1919 حيث الحركة الوطنية في بورسعيد ارتبط شم النسيم بحرق دمية اللورد “اللنبي” التى أوفدته بريطانيا عقب ثورة 1919 مندوبًا ساميًا لها إلى مصر وظل فيها لمدة ست سنوات عرف خلالها ببطشه بالمصريين وكل عيد شم النسيم يقوم أهل بور سعيد بحرق دمية مصنوعة من القماش تمثل اللنبي تعبيرًا عن ظلمه وتنكيله بالمصريين تتحرك فى الشوارع بصحبة الكبار والصغار.

مقالات ذات صلة