آراء وتحليلات

كلاكيت ثالث مرة

دكتور / السيد مرسى

حتى لا يقال أنى كنت ضنيناً، بما كنت له عارفاً، ومن ثم لم أعطه حقه ولم أوفيه نصيبه حول “التنمر” فى صورته الوظيفية والتى أعقبته بصورته المجتمعية ، فكان لزاما بعد هذه التغيرات بصورة لافته للانتباه و الهائلة فى وسائل الاتصالات فی الفترة الأخیرة ، والتی جعلت المجتمعات غرفة واحدة یستطیع الافراد التواصل فيما بینهم بسهولة وبأسرع وقت وبأقل تكلفة، وإن كان هذا الأمر سلاح ذو حدین مثله مثل بقية أدوات تكنولوجيا المعلومات فبالرغم من المنافع العديدة إلا أنه یوجد به العديد من السلبيات والتی من أهمها التنمر الإلكترونى ، الذى هو صورة من صور السلوك العدواني الذى يأخذ أشكال مختلفة كالتنمر البدنى و اللفظى والنفسى والجنسى ، كل ذلك من خلال الإنترنت الذى تنامى وتغول بشكل مطرد ومتزايد حتى أصبح في كل مكان وفى كل زمان سواء في حياة الكبار والصغار منهم الأطفال والمراهقين ، بل وقد تجاوز مرحلة التنمر التقليدية مثل التنمر اللفظي كإطلاق الألقاب والذى كان ينتشر بين الاناث أو التنمر البدنى كالضرب والذى كان ينتشر أيضا بين الذكور ، أو التنمر الاجتماعى كعزل شخص او استبعاده من دائرة الأصحاب .
ولقد واكب انتشار الشبكة العنكبوتية ووسائل الاتصال التكنولوجية مثل الفيسبوك والتويتر والإنستجرام وغيرها مع عدم وجود رقابة عليها ظهرت مفسدة اصبحت تشكل خطرا كبيرا وعظيما على الأبناء والاباء فلم تعد هذه الخطورة قاصرة على الشباب في المدارس والجامعات بل امتدت الى الفضاء الإلكترونى ، وتتمثل خطورة هذا النوع من التنمر في أن أي محتوى ضار مثل الكلمات المسيئة أو الشائعات تنتشر فور عملية النشر بسرعة تفوق الخيال وذلك من خلال باقى الحسابات الإلكترونية بإجراء عملية مشاركة للمنشور أو القيام بنسخ أو لصق للمحتوى المنشور ، أو كله معا ، ويحدث ذلك خلال ثواني ، والمتنمرون الإلكترونيون يقومون بعملية نشر المحتوى الضار مثل الصور المسيئة والشائعات والتهديدات وغيرها ، وتبدأ باقى الحسابات الإلكترونية في المشاهدة أولا ثم يقومون بعملية نسخ ولصق ، وفى حالة معرفة شخصية المتنمر ومعاقبته والطلب منه حذف مات نشره ولكن بعد فوات الأوان ، فطبيعة الفضاء الإلكتروني تكون قد فرضت نفسها ويصعب القضاء على ما حدث ، وفى حالة عدم معرفة الشخص التنمر فإن الكارثة تكون أكبر حيث يقوم التنمر في هذه الحالة بالنشر عدة مرات وممارسة تنمره الإلكترونى بحرية وهذا الميل الجارف للمتنمر مرجعه حب الاثارة لديه من جراء الإهمال العاطفي من الوالدين له ووجود مشكلات في العلاقات الاسرية
بناء على ما تقدم: نتعامل مع الآخرين برأفة ورحمة ومحبة وطيبة، دون الشخصيات الشرسة التي تتنافس فيما بينها على إيذاء بعضها بعضاً، وتحوَّل الواقع إلى غابة تنعدم فيها ثقافة الحوار وينقسم فيه المجتمع إلى فئتين: فئة مُتنمِّرة وفئة مُتنمَّرٌ عليها، ولم يسلم أحد من هذه الظاهرة أطفالاً كانوا أم كباراً.
وفى آخر المقال يقال: ” لا يزال الناس بخير ما تعجبوا من العجب ” وقال الشاعر: وهلك الفتى أن لا يراح إلى الندى … وأن لا يرى شيئاً عجيباً فيعجب، وقد قال بكر بن عبد الله المزني: ” كنا نتعجب من دهر لا يتعجب أهله من العجب فقد صرنا في دهر لا يستحسن أهله الحسن.. ومن لا يستحسن الحسن لم يستقبح القبيح “. وقد قال بعضهم: ” العجب ترك التعجب من العجب “.
وإلى اللقاء: دكتور / السيد مرسى

 

مقالات ذات صلة