الأدب

كتاب”بقلم جمال عبد الناصر” فى ذكراه المئوية.. الزعيم مثقفًا ورجل دولة

 

مثَلت فترة حكم جمال عبد الناصر مزيجًا بين معطيات ثقافية ومنهج يقوم على التجربة والخطأ، فالخطاب السياسى كان أداة عبد الناصر الأساسية لاجتذاب الجماهير، وهى أداة ذات بعد ثقافى واضح، تجلى عبرها الجانب المثقف من عبد الناصر.

والثقافة عنصرًا أصيلا فى تكوين عبد الناصر حيث امتلك رؤية ثقافية وفكرية تجلت فى سلوك جمال عبد الناصر الإنسان والقائد ورجل الدولة.
وفى كتاب تحت عنوان “بقلم جمال عبد الناصر” للدكتور خالد عزب والكاتب صفاء خليفة والصادر عن دار “أطلس” سوف تحدثنا تلك السطور عن جوانب من شخصية جمال عبد الناصر، هل كان قارئًا نهمًا؟ هل اهتم بالثقافة؟ هل كان كاتبًا له إبداعاته؟ إلى أى مدى يمكن أن نقرأ شخصيته من كتاباته؟. وكذلك فيها إعادة اكتشاف شخصية جمال عبد الناصر وتقديمها للقارئ العربى هى هدف فى هذا الكتاب، فأعداد غفيرة من الأجيال الجديدة لا تعرفه جيدًا، ومن الأجيال التى عاصرته عرفته لكننا نجعلها تقف عند لحظة تأمل فى مسيرته، هل لو لم يكن جمال عبد الناصر رئيسًا، هل كان سيصبح أديبًا؟، عندما يقرأ ويعجب بكاتب لماذا اختاره بالتحديد ليكون قارئًا له؟ لاشك أن أسئلة كثيرة ستزدحم فى رأسك عندما تتصفح هذا الكتاب، بل أتأكد أنك ستقف أمام كل سطر، إذ ستعرف من خلال قلمه بعضًا مما كان يضمره فى رأسه ويفكر فيه. إذًا من هو جمال عبد الناصر الرئيس والزعيم، هو ابن جيل شغف بالقراءة والكتابة، كانت كتاباته صدى لعصره ولحياته.
عرف جمال عبد الناصر دائمًا بأنه “أفضل قارئ”، فكان شغوفًا بالمطالعة، ودارسًا متميزًا لديه قدرة خارقة على القراءة، وكذلك القدرة على الاستيعاب والتذكر بنفس المستوى وذلك فى المراحل المختلفة من حياته.

” فولتير رجل الحرية”. أولى كتابات الطالب جمال عبد الناصر
“لقد أعجبنى فولتير لأنه كان هادئًا ولم يلجأ إلى استخدام القسوة والعنف كبقية الزعماء الذين اعتادوا على القتل وسفك الدماء”.. جمال عبد الناصر

لقد جاءت البدايات مع نشر أول كتاباته- مقالة بعنوان “فولتير، رجل الحرية”، وهو فى سن السادسة عشرة من عمره، فى مجلة مدرسة النهضة الثانوية، وكانت بذلك أولى كتابات الطالب جمال عبد الناصر.
ثم فى عام 1934 بدأ الطالب جمال عبد الناصر بتأليف رواية “فى سبيل الحرية”، والتى تتصدر صفحتها الأولى صورة “عبد الناصر”، وتتناول فى مضمونها المعركة الخالدة التى خاضها أهل رشيد بمصر عام 1807.

جمال عبد الناصر ودور يوليوس قيصر فى مسرحية شكسبير
لم تقتصر علاقة عبد الناصر بالثقافة على الكتاب، مطبوعًا ومخطوطًا، ففى عام 1935 لعب الطالب جمال عبد الناصر دور “يوليوس قيصر” البطل فى مسرحية شكسبير التى قدمها ضمن برنامج الحفلة التمثيلية السنوية لمدرسة النهضة 1935، ورأى المدرس المشرف على الفرقة التمثيلية وهو الأستاذ نجيب إبراهيم، أن يترك للطلبة اختيار الرواية اللائقة لتمثيلها فى الحفلة. ومضى جمال يطالع تاريخ قادة الشعوب وعند قصة قيصر توقف طويلاً.

جمال عبد الناصر الشاب الثائر
“لم يترك الطالب جمال عبد الناصر لمطالعاته الإنجليزية الفرصة لأن تؤثر على عقيدته الوطنية وعلى ثقافته العربية، ظل هو مصريًا صميمًا تراوده أحلام مصطفى كامل”. فوشيه فى كتابه “جمال عبد الناصر وصحبه”

عندما التحق جمال عبد الناصر بالكلية الحربية ظل مواظبًا على القراءة شغوفًا بها، ومن لائحة الاستعارة نعرف أنه قرأ سير الزعماء “غاليباردي”، و”بسمارك”، و”فوش”، كما قرا الكتب التى تعالج شؤون الشرق الأوسط والسودان، وكذلك قرأ عن الحرب العالمية الأولى، وتاريخ ثورة 119، كما قرأ “اليابان تحارب فى آسيا” لجونى جويت، و”لماذا كانت اليابان قوية” لجون باتريك، و”تألق نجم بونابرت” لويلكسنسون وغيرهم.

جمال عبد الناصر وحرب 1948
كان لحرب فلسطين 1948 كبير الأثر على فكر جمال عبد الناصر وقلمه أيضًا، مما دفعه لكتابة سلسلة من المقالات التى نشرتها مجلة آخر ساعة، عام 1955 تحت عنوان: “يوميات الرئيس جمال عبد الناصر وحرب فلسطين”. فقد كانت لدى جمال عبد الناصر نزعة قوية للتدوين، وقد سجل بخط يده، حيث كتب جمال عبد الناصر يومياته عن حرب فلسطين تحت قصف المدافع مرتين فى اليوم الواحد، يبدأ بالكتابة على الأوراق الرسمية التى يعتمد عليها فى كتابة تقاريره لقياداته.

فقد كانت جراح فلسطين غائرة فى وجدان جمال عبد الناصر، على ما تكشف المذكرات المكتوبة بخط يده فى الدفترين، وكان اعتقاده بأن حرب فلسطين لم تكُن حربًا، فلا قوات تحتشد، ولا استعدادات فى الأسلحة والذخائر، ولا خطط قتال، ولا استكشافات ولا معلومات.

وعن المذكرات قال عبد الناصر لمحمد حسنين يكل: “يمكنك أن تأخذ معك هذا الدفتر، وأن تقرأ فيه، وأن تكتشف نفسك ما جال بخاطرى تحت وهج النيران فى حرب فلسطين، وما كتبته يومًا بيوم فى خنادق القتال على ضوء لمبة جاز”.
جمال عبد الناصر وفلسفة الثورة
لعل أشهر ما كتب “فلسفة الثورة” والذى صدر عام 1953، ويعد بمثابة أول وثيقة تصدر عن ثورة يوليو 1952 ومفاهيمها عام 1953 بعد نحو سنة من قيام الثورة فى يوليو 1952. والكتاب عبارة عن خواطر، ولكنها ليست لشرح أهداف ثورة 23 يوليو 1952 وحوادثها.
وهو كتاب يحمل أفكار الرئيس جمال عبد الناصر، قام بتحريرها وصياغتها الأستاذ محمد حسنين هيكل. صدر الكتاب عام 1953، مكون من ثلاثة أجزاء هى ليست فلسفة، العمل الإيجابى بعد غيبة ثلاثة شهور.

الزعيم جمال عبد الناصر مثقفًا ورجل دولة
يكن جمال عبد الناصر مجرد رجل دولة، بل زعيمًا جعل للثقافة دورًا محوريًا فى دولته، ولهذا عرفت مصر –والعرب عمومًا- على يديه أول وزارة ثقافة، كانت عند إنشائها للمرة الأولى فى 17 نوفمبر 1952 تجمه اختصاصات الثقافة والإعلام تحت اسم “وزارة الإرشاد القومي” وتولاها المفكر الكبير فتحى رضوان، وفى أكتوبر 1958 أصبح اسمها “وزارة الثقافة والإرشاد القومي”، وأسندت إلى د. ثروت عكاشة ثم فى سبتمبر 1966 استقلت الثقافة بوزارة خاصة بها تولاها د. ثروت عكاشة بينما تولى محمد فائق وزارة الإرشاد القومى قبل أن تستقر على اسم وزارة الإعلام فى نوفمبر 1970.

وكان اهتمام جمال عبد الناصر بمشروع الألف كتاب، وحركة التأليف والترجمة والنشر، وبعيد العلم والعلماء فى مصر موضوع حوار عميق فى المجتمع الإسرائيلى الذى يخشى العقل المفكر أكثر من العسكر المدججين بالسلاح.
كما حرص جمال عبد الناصر على توطيد الصلة مع الفن وأهله، وبعد أن أصبح رئيسًا اقتنى آلة عرض سينمائى وحرص على المتابعة للأعمال الفنية الجادة، وفى عام 1957 تم إنشاء مؤسسة دعم السينما، كما تم فتح باب القروض للسينمائيين مع ضمان الدولة لهم وتدعيم تصوير الأفلام التى تحتاج إلى إمكانات عسكرية وحربة، وبصدور قوانين يوليو الاشتراكية عام 1961 تحولت مؤسسة دعم السينما إلى مؤسسة ذات شركات تسعى فى مجملها إلى الإنتاج والتسويق محليًا وخارجيًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *