آراء وتحليلات

قوة قادمة ( 1/ 3 )

بقلم: أ/ محمد السعيد


تصعد بشكل مخيف لم يحدث له مثيل و يمثل ذلك الصعود التحدي الأكبر لكثير من دول العالم و خاصة لشرطي العالم و المهندس الرئيسي والوصي على النظام العالمي و لتصوير سرعة ذلك الصعود فقد عبر رئيس دولة سابق بقوله :
“كل هذا حدث بسرعة ، لم يكن لدينا وقت حتى لنندهش” .

يسمي المؤرخون الأمريكيون المائة سنة الماضية بـ “القرن الأمريكي” وقد اَلِفَ الأمريكيون مكانهم على رأس الهرم يديرون شئون العالم بما يخدم مصالحهم و يتدخلون بكل أمر يحدث فيه ، لذا فإنهم لا يتقبلون فكرة ان يأخذ مكانهم القيادي احد آخر بل يرى الكثير منهم أن ذلك اعتداء مباشر علي سيادتهم .

من منظور ما يحدث اليوم في هذا السياق التنافسي بين امريكا والصين فانه من المفيد إسقاط ذلك على التاريخ فقد شهدت الـــ ( 500 ) سنة الماضية ( 16) حالة هددت فيها قوى صاعدة بإزاحة قوى عظمى حاكمة ، وقد انتهت ( 12 ) حالة منها بحرب بدأتها إما السلطة الحاكمة او القوة الصاعدة أو بسبب استفزاز طرف ثالث يجبر أحد الطرفين على ردة فعل عنيفة و قد تكون مدمرة ( حرب ) .
و في نوفمبر الحالي يحتفل العالم بالذكرى المئوية للحرب العالمية الأولى التي بدأت في 28 يوليو 1914 و صمتت أصوات بنادقها في الساعة ( 11 ) من اليوم ( 11 ) من الشهر ( 11 ) من العام 1918 مخلفتاً وراءها اكثر من 30 مليون بين قتيل وجريح وأسير ومفقود .

كيف يؤثر نهوض الصين على الولايات المتحدة الأمريكية

في العام 1978 ( قبل أربعين عاما ) ، عندما بدأت الصين مسيرتها إلى السوق العالمية ، كان وضعها الاقتصادي ضعيفا حتى انه قبل 25 عاما لم تظهر الصين في أي من قوائم الدول ذات القوة الاقتصادية ، و كان حينئذ دخل الفرد في الصين متدنيا حيث كان كل تسعة من 10 صينيين يعيشون على أقل من دولارين في اليوم بمعنى أن 90% من الصينيين البالغ عددهم حاليا ( اكثر من مليار و 400 مليون نسمة ) كانوا يعيشون على خط الفقر ، وبفضل السياسة الاقتصادية الصينية الصاعدة أصبحت الصين اليوم أكبر دولة تجارية وأكبر مصدر وثاني أكبر مستورد في العالم ، و هي ثاني اكبر اقتصاد عالمي بنسبة نمو 6.4% .

و بذلك فان الصين عضو في مجموعة دول العشرين وقد تحسن دخل الفرد الصيني ولم يبق من الصينيين سوى 1% ذا دخل منخفض ، وقد وعد الرئيس الصيني الحالي ( شي جين بينغ ) أنه خلال السنوات الثلاث المقبلة، سوف يتم تحسين وضع هؤلاء الــــــ ( 1% ) من الصينيين بحيث يلحقون بمواطنيهم الأفضل دخلاً .

تمكن الاقتصاد الصيني خلال الثلاثين عاما الماضية من تحقيق نمو اقتصادي مضطرد واستطاع التحول من المركزية المحلية ليصبح أكثر انفتاحا على العالم معتمدا على التجارة الدولية ويتوقع المحللون انه بحلول عام 2050 ستكون الصين اكبر اقتصاد عالمي تحل بعده الهند ثم الولايات المتحدة الأمريكية ثم اندونيسيا .

تعتبر الصناعة الصينية صناعة متميزة كباقي الدول العظمى كالولايات المتحدة الأمريكية وتحتل بذلك الصين مراتب مهمة في عدة صناعات كصناعة الصلب و الحديد و الأحذية والألعاب الإلكترونية والأجهزة المنزلية والسيارات والهواتف الذكية و تعد مصنع العالم وتشكل الصناعة 45% من الناتج المحلي الإجمالي (GDP ) للصين .

اليوم يقود الصين زعيم يحركه الهدف و يتطلع الى قيادة العالم و هو يعتبر أكثر زعماء العالم طموحا وكفاءة ومعه حكومة تعمل ليل نهار للنهوض بالصين وجعلها عظيمة مرة اخرى وهذا ما صرح به الرجل عندما وصل لسدة الحكم في بلاده وقد وضع – مع فريقه – أهداف دولته خلال الأعوام القادمة 2025 ، 2035 و 2049 حيث :

بحلول عام 2025 ستكون الصين القوة المهيمنة على ( 10 ) صناعات تكنولوجية رائدة في العالم ، بما فيها السيارات بدون سائق ، الروبوتات ، الذكاء الاصطناعي ، والحوسبة الكمية quantum computing .

بحلول عام 2035 تعتزم الصين أن تكون رائدة الابتكار في جميع التقنيات المتقدمة.

بحلول عام 2049 الذي يصادف الذكرى المئوية لتأسيس جمهورية الصين الشعبية تعتزم الصين أن تكون الدولة الأولى في العالم على جميع الأصعدة بما في ذلك العسكري .

و أمام هذه الأهداف العظيمة و الجريئة فإن الصين الصاعدة هي بالفعل في طريقها إلى تحقيق أهدافها الاستراتيجية وبقوة ، لذا فان الحقيقة العنيفة هي أكثر صعوبة في تجاهلها بان الصين صاعدة وان أمريكا اليوم تحكم العالم وان هناك تهديد وجودي حقيقي لقائد العالم و عليه فان ردة فعل أمريكية متوقعة ما سيخلق مزيجا من الفخر والغرور لدى الطرفين وقد يفضي إلى حرب لا قدر الله .

ولاستعراض سرعة صعود الصين في هذا السياق يقارن بروفيسور أمريكي ويقول:
” لتذكير نفسي بمدى دهشتي، ألاحظ من حين لآخر من نافذة مكتبي في كامبردج ذلك الجسر ، الذي يمر عبر نهر تشارلز ، بين مدرسة كينيدي وكلية هارفارد للأعمال. حيث في عام 2012 ، قالت ولاية ماساشوسيتس :
إنها ستقوم بتجديد ذلك الجسر ، وسوف يستغرق الأمر عامين.
في عام 2014 ، قالوا أنهم لم ينتهوا من العمل .
في عام 2015 ، قالوا إن الأمر سيستغرق سنة أخرى.
في عام 2016 ، قالوا إن الأمر لم ينتهِ بعد .
في العام الماضي ( 2017 ) تم الانتهاء من تجديد الجسر .

قارن ذلك بجسر مشابه مررت به في الشهر الماضي في بكين. يطلق عليه جسر سانيوان.
في عام 2015 ، قرر الصينيون ترميم ذلك الجسر الذي به ضعف عدد الحارات الموجودة بجسر ماساشوسيتس .
هل تعلم كم من الوقت استغرق إكمال المشروع ؟
الجواب : 43 ساعة .
43
نعم ، ساعة صينية مقابل 3 سنوات امريكية

قارن بين اقتصاد الولايات المتحدة و الصين حيث في أواخر عام 2004 كان حجم اقتصاد الصين يساوي نصف حجم اقتصاد امريكا .
بحلول عام 2014، كان ناتج الصين المحلي الإجمالي ( GDP ) مساوياً للناتج المحلي الأمريكي .
وحسب ما هو مخطط فانه بحلول عام 2024، سيكون حجم الاقتصاد الصيني مرة ونصف حجم الاقتصاد الأمريكي .

الصين تعي و تعني ما تقوله وهي تعمل من اجل أن تقود العالم بحلول عام 2050، بكثافة سكانها و باقتصادها وبإنتاجها وكذلك بجيشها و بينما ستصبح الصين الدولة الأكبر والأقوى والأكثر ثراء – متقدمة أكثر على أمريكا من الناحية التكنولوجية – فإنها ستصطدم حتما بالمواقف و الامتيازات الأمريكية حول العالم .

هذا وقد ذكر مجلس العلاقات الخارجية بالولايات الامريكيه في 2018 ان صعود الصين “تهديد وجودي حقيقي للقيادة التكنولوجية الاميركيه”بينما تصر بكين علي ان خطتها تتماشي مع التزامات البلاد تجاه منظمه التجارة العالمية …..
التي هدد الرئيس الأمريكي اكثر من مرة بانسحاب دولته منها حيث قال لمستشاريه اكثر من مرة ” لا أعلم لماذا نحن متواجدون في المنظمة . فمنظمة التجارة العالمية أسستها بقية دول العالم لتدمير الولايات المتحدة” وقد وصف المنظمة بـ”الكارثة”.
كما ضرب بقواعد التجارة الدولية عرض الحائط عندما فرض في 15 يونيو 2018 تعرفة جمركية باهظة على واردات بلاده من الألومنيوم والصلب والبضائع الصينية التي تقدر قيمتها بعشرات المليارات من الدولارات تحت حجة الدفاع عن الأمن القومي الأمريكي .

أخيراً ، ننتهي بالسؤال الأكثر أهمية و قيمه للعالم :
هل سيقرأ الأمريكيون والصينيون التاريخ ؟ لأخذ العبرة من الحربين العالميتين الأولى والثانية والاحتكام لصوت العقل لإيجاد طريقة تضمن تعايش العالم على هذا الكوكب والحياة بسلام و أمان و رخاء بعيدا عن شبح الحروب ونتائجها السلبية المدمرة .
أم أن من يرفضون قراءة التاريخ محكوم عليهم بتكراره .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *