آراء وتحليلات

التاريخ الاسود للعثمانين فى ليبيا (6)

 يقلم اللواء ناصر قطامش

 

يبدو تاريخ العثمانيين في ليبيا، واحداً من أغرب وأعنف تواريخ الاستعمار، نظراً لما تضمنه من اضطراب وصراع على السلطة وعنف وصل حد أن يندر موت أحد الولاة العثمانيين الذين حكموا طرابلس، إلا انتحاراً أو بيد غيره، حسب ما ورد في واحد من أهم الكتب التي تناولت المرحلة العثمانية في ليبيا، فسعى العثمانيون إلى توطيد حكمهم في ليبيا عن طريق ولاة أتراك يساعدهم فرق من الإنكشارية، مشكلين مسارا بائسا طوال عهد الاحتلال، وشهد القرن الـ18 ظهور أسرة القرمانلي، التي تولت حكم طرابلس 121 عاما، وكانت ممثل إسطنبول في التنكيل بالليبيين فذاقت البلاد خلالها مرارة الجوع والفقر وفقدت عشرات الآلاف من شبابها الشجعان.
ففى سبتمبر 1839 إلى يونيو 1840، خشى والي طرابلس محمد أمين باشا من أن يتوجه غومة المحمودي إلى المدينة، فحرك الحملات للاستيلاء على الزاوية التي رفض أهلها التخلي عن الشيخ الثائر فكان عقابهم مذبحة دامية على يد الأتراك ما زالت معروفة بين الليبيين باسم سانية المقتلة. رغم المذبحة العثمانية، فإن الشيخ غومة سيطر بالكامل على الطرق الموصلة بين غدامس وطرابلس ونجح في الاستيلاء على قافلة عثمانية محملة بالأموال المنهوبة، ما دفع الأتراك إلى محاولة الصلح من جديد ولكن المفاوضات سارت ببطء.ارسل الشيخ غومة رساله الى السلطان أشار فيها إلى أمر بالغ الخطورة، حيث أكد أن العثمانيين يهدمون المساجد مثلما فعلوا في بلدة ككلة، وفرضوا المذهب الحنفي على سكان الجبل الغربي بالإكراه، فيقول: “الشرع الشريف أهملوه وشرائع الدين الحنيف غيروه ومذهبنا مذهب إمام دار الهجرة حضرة الإمام مالك أبطلوه، والجوامع والمدارس خربت أو قربت من الخراب، ولا يصرفون إيراد الوقف في واجباته، فالقضاة يبيعون الوظائف الشرعية لمشتريها
لعل نت اهم فضائح الاحتلال التركى للدول العربيه ببيعها لاوربا
والدليل على ذلك يكمن فى التاريخ اذ اخبرنا بان العثمانيين قاموا ببيع
بعد أن تنازل السلطان عبد الحميد الثاني عن تونس لفرنسا
لذا بدأت روما سياسة تغلغل اقتصادي عبر بنك يخدم أهدافها الاستعمارية، بالتزامن مع جهود حكومتها للحصول على اعتراف الدول الأوروبية بحقها في احتلال طرابلس الغرب وبرقة.أصبحت ليبيا ميدانا لاستثمار رؤوس الأموال وسوقا لبيع البضائع والصناعات الإيطالية منذ سبعينيات القرن الـ19، بموجب الاتفاقية الموقعة بين إسطنبول وروما عام 1873، والتي نصت على أن تكون الأخيرة أكثر الدول الأوروبية حظوة في مجال الاستثمار بالولاية العثمانية.الكاتب الإيطالي جايتانو سالفيميني قال في كتابه “لماذا ذهبنا إلى ليبيا؟” الصادر عام 1912 :”إن سياسات التغلغل السلمي هي الجهد الذي قامت به حكومة روما لخلق حلقة من النشاطات في طرابلس، لغرض انضمامها إلينا تدريجيا وبصمت، والاستيلاء عليها بنار بطيئة ودون إطلاق رصاصة واحدة”.
لمن لا يعرف حقيقه ماحدث اليكم ايها الساده القراء الحقيقه فقد مهدت روما لاحتلال ليبيا اقتصاد عن طريق انشاء بنك (روما) فقد سعى كل من
بيتر وجيريللي الى تاسيس بنك دي روما في مارس 1880 تحت رعاية الفاتيكان بمشاركة الحكومة الإيطالية برأسمال خمسة ملايين ليرة، وكان من كبار مساهميه وزير الخارجية توماس تيتوني (1903-1909)، والذي أصبح سفيرا لبلاده في باريس، وامتلكت المؤسسة المالية الوليدة شبكة فروع مصرفية في مصر وجزيرة مالطا.ظهر جليا التوجه للاستعمار الاقتصادي تمهيدا للاحتلال العسكري في تصريح تيتوني في 10 مايو 1905 أمام البرلمان، بقوله: “إنه من الضروري القيام مباشرة باستثمارات واسعة لرؤوس الأموال في ليبيا، عبر بنك متشبع بروح الاستعمار، يمهد الطريق لجيوشنا”.وفي نفس الشهر اتصل تيتوني بمدير بنك دي روما، وعرض عليه توجيه استثماراته إلى الأراضي الليبية، مؤمنا له في المقابل تأييد الحكومة في كل مشاريعه، وعلى هذا النحو تدافعت رؤوس الأموال في طرابلس الغرب وبرقة مدعومة رسميا من روما.كما حصلت روما من إسطنبول على امتياز لتأسيس فرع البنك في طرابلس الغرب وبرقة عام 1905، وبدأ نشاطه في ليبيا 15 أبريل 1907، واختير لإدارته رجل الأعمال الإيطالي انريكو برشياني، الذي سبق له الاشتغال بالأعمال المصرفية في مستعمرات شرق إفريقيا.استطاع البنك أن يؤسس قواعد اقتصادية إيطالية، وسرعان ما توسع في بقية الأقاليم والمدن، شملت الخمس ومصراتة وسرت وزوارة، كما أسس وكالات تجارية في بنغازي وزليطن وطبرق والسلوم، وفي العديد من المناطق الداخلية.إيطاليا حاولت ربط مصالح الدولة العثمانية بالبنك اقتصاديا، بفتح فرع له في إسطنبول، وبتقديم قروض ومنح مالية للخزانة السلطانية، في مقابل امتيازات في ليبيا، خاصة بعد التقارب التركي مع برلين، وانتشار أنباء عن نية السلطنة تسليم طرابلس هدية لغليوم الثاني قيصر ألمانيا ولقد سعت روما الى الوقوف فى وحهه رغبه الاتراك وكسر التحالف التركى الالمانى وهب الاراضى الليبيه .كان الغرض الأساس من تأسيس بنك دي روما امتلاك الأراضي الليبية ونزع ملكية الأخرى المرهونة، بعد إقراض الأهالي الأموال بالربا الفاحش بسبب قسوة العثمانيين في جمع الضرائب، ما دفع الكثير من الفلاحين للاقتراض بفائدة مرتفعة.استغل البنك اجتياح البلاد موجة جفاف شديد عام 1907 استمرت 4 أعوام، ما دفع الفلاحين إلى الهجرة إلى تونس والجزائر، وشهد عام 1908 نزوح 2000 عائلة، فيما مهد الولاة الأتراك الطريق لابتلاع الأراضي بتحريض الأهالي على بيعها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *