أخبار دولية

نص خطاب ريم الهاشمي أمام المجلس التنفيذي للاتحاد الأفريقي

 

هناء السيد

معالي الوزير/ سامح شكري، رئيس الجلسة، أشكركم جزيل الشكر على ما تفضلتم به من كلمات طيبة.

أصحاب المعالي والسعادة السيدات والسادة أعضاء المجلس التنفيذي للاتحاد الأفريقي،

الدكتور ليفي مادويكي، رئيس قسم شراكات أفريقيا الاستراتيجية بالاتحاد الأفريقي والمفوض العام لجناح الاتحاد الأفريقي في إكسبو 2020،

الضيوف الكرام،

أشكر لكم طِيبَ الاستقبال.

جزيل الشكر لحكومة إثيوبيا، وأخص بالشكر معالي آبي أحمد، رئيس وزراء إثيوبيا، على رؤيته وقيادته المتواصلتَين.

إنه لشرف عظيم أن أتحدث نيابة عن دولة الإمارات العربية المتحدة أمام مجلسكم الموقر في المراسم الختامية للجلسة الاعتيادية السادسة والثلاثين للمجلس التنفيذي.

كان الأب المؤسس لدولة الإمارات العربية المتحدة، صاحب السمو، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، يعي جيدا ويقدر قيمة التواصل بين الثقافات والقارات لاحتضان الدول التي قد تصبح صديقة وشريكة لنا. كان همّه – رحمه الله – أن تتطور الدول بالتوازي معنا، تلك البلدان ذات التجارب المماثلة بما قد يفيد في بناء مستقبل مشترك أكثر إشراقاً. ومع ميلاد دولتنا، مدّ – المغفور له بإذن الله – الشيخ زايد، يد الشراكة إلى الكثير من الدول الممثَّلة هنا اليوم.

في الواقع، تشير علاقته الخاصة مع الراحل نيلسون مانديلا إلى حقيقة مشجعة: منذ عقود، كان كل من الشيخ زايد وماديبا يؤمنان بقوة السلام والازدهار للجميع، وسعى كلاهما إلى إيجاد أرضية مشتركة وفرص مشتركة – ورسم كلاهما طريقاً للأمام، معاً وفي انسجام تام. وفي عام 2018 احتفلت الدولتان، جنوب أفريقيا والإمارات العربية المتحدة بمئوية كل من هذين القائدين الأسطوريين.

وبمرور السنين حافظنا على عهدنا بالتواصل وبناء الشراكات وأنا فخورة بأن أرى الكثير والكثير من الأصدقاء في قاعة هذا المجلس الرائع. ومع اقتراب دولة الإمارات العربية المتحدة من الاحتفال بمرور 50 عاماً على تأسيسها، في يوبيلها الذهبي، فإنني أشعر بالفخر وأنا أرى العمل المتواصل الذي يقوم به صاحب السمو الشيخ عبد الله بن زايد بن سلطان آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي بدولة الإمارات – وابن الشيخ زايد. لم يتوقف سموه عن هذا التواصل، بل عمل على تطويره، وسعى – كوالده طيب الله ثراه – للوصول إلى الإمكانيات المثيرة للإعجاب لدى رواد عصره، واقتفى أثر القادة الأفارقة الذين وضعوا اللبنات الأولى لتحرر أفريقيا ووحدتها. هؤلاء الذين نحقق رؤيتهم اليوم.

أصحاب المعالي والسعادة،

على مدى السنوات الخمسين الماضية، كانت دولة الإمارات العربية المتحدة شريكاً فاعلاً في القارة، متجاوزةً بذلك الحدود الجغرافية لتستثمر ما يزيد على 100 مليار دولار. في 2016، كنا ثاني أكبر مستثمر في أفريقيا، ولا تزال استثماراتنا متواصلة في تشييد البنية التحتية الفعلية من طرق وجسور وموانئ ومدارس وعيادات ومستشفيات.

وبينما نحن مستمرون بالاستثمار في مستقبل أفريقيا، فإننا في مستقبلنا المشترك، نملك يقيناً راسخاً سيكون دافعنا لنظل أكثر تأقلماً وأبعد تأثيرا.

ويسعدني ويشرفني أن أعلن اليوم عن إطلاق كونسورتيوم الإمارات العربية المتحدة من أجل أفريقيا.

سيدمج الكونسورتيوم من أجل أفريقيا أولويات حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة والقطاع الخاص الإماراتي، باستثمار أولي يبلغ 500 مليون دولار أمريكي.

وسيتيح لنا نهج دولة الإمارات التضامني المشترك تسريع الاستثمار الإنمائي في أفريقيا. إن دولة الإمارات العربية المتحدة، وهي أكثر من مجرد مانح أو مقدم قروض ميسرة، تدرك جيداً أن القيمة الحقيقية تكمن في بناء رأس المال البشري على المدى الطويل. ونحن ملتزمون بالمساعدة في إيجاد منظومة يمكن فيها للشركات الناشئة أن تزدهر، ولأصحاب المشاريع أن يطلقوا العِنان لقدراتهم، وللشباب أن يتطلعوا بتفاؤل نحو مستقبل هم صانعوه.

وسيركز الكونسورتيوم في البداية على أولويتين: التحول الرقمي والشباب، وهما أولويتان ستكفلان أن شبابنا وكفاءاتنا بإمكانهم اقتناص الفرص التي يتيحها لهم المستقبل.

ما يقرب من نصف سكان هذه القارة الرائعة مشتركون في خدمات الهاتف المحمول، وسبعون في المائة من الأفارقة يكسبون عيشهم من الزراعة. التقنية من شأنها أن تغير حياتنا، وتنمية هذه التقنية سيسد الفجوة بين التمسك بالتقاليد ومواكبة التقدم. لقد استمعنا بإمعان إلى ما قُلْتُم لنا، كقارة يمثلها الاتحاد الأفريقي، وكبلدان تشكل دُولَهُ الأعضاء. وسمعنا نداءكم إلى دولة الإمارات: استخلاص الدروس من مسيرتنا التنموية، واستقطاب الاستثمارات الإماراتية إلى اقتصاد أفريقيا الرقمي.

إن مسؤوليتنا المشتركة هي توفير الوصول الجيد للإنترنت لكل فرد في القارة. وتقع على عاتقنا مسؤولية ضمان أن الشباب لديهم التأهيل للاستفادة من الفرص التي ستتاح لهم بشكل طبيعي.

أصحاب المعالي والسعادة،

إننا مدركون أننا نتقاسم نفس الرؤية والمسار. لقد تعلمنا أيضا أن يكون الاستغلال الفعال لمواردنا البشرية هو الأولوية بالنسبة لنا. أدركنا القيمة العظمى للابتكار، والتطوير وإعادة اكتشاف المهارات، لكي يتسنّى لنا الوصول إلى الاستفادة المثلى من شبابنا. وليتسنّى لنا تشكيل روح الريادة لقيادة النمو والتنمية المستدامة وتدريب مواطنينا، على مجالات العمل المستقبلية، بل وتطوير مهاراتهم، وإعدادهم للوظائف التي لم يعرفها العالم بعد.

أقف هنا شاهدة على الفهم المشترك لأننا – بخلاف أي إنشاءات عمادها الإسمنت والحديد – فإن أسس المستقبل الذي نريد بناءه ستقوم بالأساس على جيل جديد من المفكرين المبدعين أصحاب الرؤى. لهذا السبب، فإننا حين نستثمر في أصدقائنا وشركائنا، فإننا نستثمر في إمكانيات شعوبهم.

بدعم من مؤسسات وطنية وإقليمية وأفريقية، لا تتوقف هذه القارة بأكملها – بشعوبها – عن الحركة. هناك جيل جديد من الأفارقة يعمل الآن على تغيير صورة الحياة إلى الأفضل، لتحويل التحديات إلى فرص- واعتبارا من أكتوبر المقبل سيحظى باهتمام العالم وتقديره عبر منصة إكسبو 2020 دبي.

يشهد هذا العام أول مشاركة للاتحاد الأفريقي في إكسبو دولي. وعلى مدى ستة أشهر، ستتاح لنحو 25 مليون شخص زيارة جناح الاتحاد الأفريقي، وسيتعرفون على الأفكار الأصيلة والمخزون الهائل من الإنسانية الذي تحفل به خطابات القادة الأفارقة العظام. ستتاح لهم الفرصة لفهم كل ما حققه هذا الكيان الاستثنائي منذ نشأته. وسيتعرفون أيضا على قصة أفريقيا دائمة التطور- قصتكم أنتم – وسيرون ويسمعون ويلمسون بأنفسهم صورة أفريقيا كما ترغبون لها أن تكون.

سيتجول الزوار في مساحة بلا جدران، بلا حواجز أو حدود، ليقفوا على تجربة فريدة من مختلف الجوانب. عالم ينبض بالألوان والابتكار التقني؛ عالم فريد من الأصوات والموسيقى، ومن النقاش والحوار – مكان سيمنح ملايين الأفارقة الذين سيزورونه الشعور بأنهم في الوطن.

سيمثّل إكسبو الدولي مكاناً مثالياً لكم جميعاً لحفر اسم بلادكم وطابعها المميز في أذهان عدد هائل من الحضور الدولي؛ وللسعي إلى تعاون دولي لا تقف في وجهه عوائق؛ ولرسم سياسة تغيّر وجه التاريخ للأفضل.

ستتاح لكم الفرصة للّقاء والتعاون مع كل الدول من أرجاء المعمورة على مستويات عدة- على المستوى الحكومي والتجاري والإعلامي وعلى مستوى المجتمع المدني، ولنقل مفهوم التعاون الدولي إلى آفاق جديدة، ولإقامة علاقات بنّاءة تتجاوز الحدود الجغرافية وتخاطب الاحتياجات والأولويات المُلحّة لكم وللآخرين.

سيكون بوسعكم وضع سياسات قادرة على تغيير المستقبل للأفضل، ليس فقط مستقبل أفريقيا، بل مستقبل العالم بأسره. تجمع عالمي هادف لقادة الفكر وصنّاع التغيير على مدى ستة أشهر كاملة؛ سيكون تجمعاً لشخصيات يحركها نفس الدافع وتملك نفس القوة والتفويض لتغيير الحياة في قارات بأكملها.

هناك عدد هائل من الدول من مختلف أنحاء العالم تتطلع لتعميق العلاقات مع أفريقيا وتعزيزها في إكسبو الدولي، نظراً للحضور الهائل للأمم التي ستمثلون ولضخامة ما تعتزمون عرضه- من أول خطط النمو الوطني التي تسلط الضوء على فرص الاستثمار، إلى الترويج للسفر وعروض السياحة البيئية، وحتى التأكيد على الإنجازات الرقمية والصناعية.

ليس غريباً أن ينصب تركيز غالبية الدول الأفريقية على عرض طرقها إلى منح فرص للجميع، دون استثناء. وليس غريباً أن غالبية القضايا المُلحّة التي سيجري بحثها في إكسبو الدولي بين الدول الأفريقية، وهي قضايا الطاقة والاتصال الرقمي والزراعة والاقتصادَين الأزرق والأخضر، إنما هي أيضا أولويات على المستويات الإقليمية والأفريقية والعالمية. إن الفرص هائلة حقاً للخروج بأنماط جديدة من الشراكات في عموم القارة وعلى مستوى العالم.

يتيح إكسبو الدولي في دبي أمامكم فرصة لدفع عجلة التقدم وصولاً إلى أفريقيا التي تريدون.

بعد 255 يوماً فقط، سنفتح أبوابنا وسيأتي العالم للقائكم، وللعمل معكم، ومشاركتكم التصميم والبناء. ولتحقيق ذلك، عليهم أولا دخول عالمكم.
إن القصص التي تروونها أنتم وفرق عملكم آسرة حقا.

على سبيل المثال، سيخطو زوارنا داخل قاعة تداول لإحدى البورصات مظهرها غانيّ بشكل واضح وكذا أجواؤها – مزينة بأشكال كينتي الملونة وبزخارف ذهبية؛ تظهر رموز حضارة أدينكارا العريقة على مؤشرات الأسهم والرسوم البيانية والمخططات. سيتجوّل الزوار بكل حرية بين صنوف الشاشات ويتعرّفون، تماما كالمستثمرين والشركاء المحتملين، على كَمّ غير محدود من الفرص التي تتيحها غانا، في مجالات الأعمال والثقافة ورأس المال البشري.

أو ربما يتعرفون على جزيرة ألدابرا البكر، التي تسمى أيضا جوهرة تاج سيشل، عبر تجارب فريدة في التواصل من شأنها أن تسبر أغوار هذه الجزيرة للمرة الأولى، لتكشف عن تنوع بيئي مذهل، وتساهم في إجراء أبحاث علمية مخصصة للحفاظ على كنوز كوكبنا.

وبصفتي شاهدة على كل هذا وعلى كل قصص أجنحتكم، فإننا نرى ما ستجلبون إلى دولة الإمارات، ونرى ما سيقدم الآخرون، ونرى كيف سنتمكن – معاً – من تجاوز العقبات التي تقف في طريق التنمية، والعوائق التي تعطل مسارنا نحو النمو.

ورغم كل ما حققنا من تقدم، لا أحد منا يملك الكمال، وأمامنا جميعا مشاكل علينا التغلب عليها في مسيرتنا نحو التنمية. لكن ما يمثل مشكلة في مكان قد لا يكون كذلك في مكان آخر. لذا، دعونا نستفيد من هذه الأشهر الستة التي سنجتمع خلالها معا لنعبر حدود الزمن.

في عالم اليوم، تعتمد مسارات النمو في الأسواق الناشئة على مدى قدرة هذه الأسواق على الاستفادة من موارد رأس المال البشري. وعلى امتداد القطاعات الحيوية المؤثرة في مستقبل أفريقيا، نلمس كيف وصلت روح الريادة في قادة المستقبل لديكم إلى الذروة. وبوجود مبادرات ملهمة من رحم البيئة المحلية، فإن هذه الطاقة هي نقطة الانطلاق لتحرير الإمكانيات البشرية في قلب أفريقيا التي تريدون.

هذه اهتمامات محلية وقارية وعالمية – لكن القاسم المشترك بينها جميعاً هو أن أفريقيا تبنى من الداخل، قطعة قطعة، بأيديكم، وتنشئ جيلاً شاباً رائداً يدرك بحق قيمة تمكينه، ويستطيع قيادة التغيير الإيجابي.

أقدم لكم اليوم دعوة صادقة لتضعوا أيديكم في يَدِ الإمارات، في شراكة وتعاون متواصلَيْن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *