آراء وتحليلات

حديث عن سيناء 25ابريل الذكرى الغالية بعد سنوات قاسية (1)

ويأتى موسم العودة الى سيناء وإحياء ذكرى غالية فى وجدان الوطن ، إنها الإحتفالية ال 38 لذكرى العيد القومى لتحرير سيناء 25ابريل ذكرى تمثل وسام على صدورنا ومصدر فخرا لنا ، ويظل يوم إشراقة شمسة ذكرى غالية نحتفل بها ونذكر الأجيال االصاعدة به ، بعد سنوات قاسية مظلمة من إحتلال دام15عاما ومعاناة عاشاها الاباء والاجداد وعشناها نحن أطفالا ، سنوات مريرة سرقت براءة طفولتنا وحرمتنا من أن نعيش تلك الطفولة الامنة ، والتى إغتالتها تلك الحرب التى دارت رحاها على أرضنا الغالية سيناء الحبيبة ،
ففي يونيو 1967م وقعت سيناء أسيرة الاحتلال الإسرائيلي لها بعد نكسة يونيو67م
وألقت الحرب أوزارها وسقطت سيناء وإنسحبت كل مؤسسات الدولة من على الأرض السلسيبة ، وفرغت مدنها تماما من إداراتها المصرية وانسحب الجميع ، ولم يتبق على واقع الأرض وفى ساحة المعركة إلا هؤلاء الأبطال العزل من السكان في مواجهة مباشرة مع العدو وما أدراك من هو العدو وماذا يدبر وعلى ما ينوى ؟؟؟
سقطت سيناء ولكن لم تهن عزائم أهلها ،
سقطت سيناء ولكن لم تسقط روحها ولم تستسلم أرضها ،
سقطت سيناء ولم تحن جباهـ أبنائها ولم ترضخ إرادتهم ،
بقيت سجايا الشمم والصمود والبطولة والإباء بكل ماتمثلة من قيم وموروثات إجتماعية وقيم وطنية بل اشعلت صدمة الاحتلال في نفوس أبنائها غيرة الدفاع عن الوطن ومقاومة المحتل بكل الطرق وكافة السبل التي زعزعت إستقرار سلطات الإحتلال وهددت وأفزعت قادته ،
سقطت سيناء وشوهت الحرب معالم الحياة بها ، وورث أهلها حطام مدنهم وبيوتهم المدمرة وزراعاتهم التي احرقتها قنابل العدو، ومشاهد مؤلمة لآشلاء وضحايا وجثث ، وبقايا الدبابات والعربات المدمرة التي ملاءت الساحات والصحارى والوديان ، وقضبان قطار السكة الحديد وعرباته التي تناثرت أشلائها على طول الطريق من أخر محطة له ، والتي كانت تنتهى في محطة غزة وقبلها محطة رفح ثم محطة مدينة العريش حتى محطة القنطرة شرق ، والبنية التحتية التي إنهارت تماما فلا مياه ولا كهرباء ولا طعام ، ولا شيء ، إلا أنفاس تبتهل إلى المولى عز وجل بالدعاء ، وبرزت معالم الدمار التي أصابت المدن العامرة وحتى القرى البسيطة الأمنة ، وإمتلاءت شوارع العريش العاصمة بأعمدة الكهرباء المنهارة والأسلاك
التي تناثرت هنا وهناك في الشوارع وبين الازقة ، اقتلعت الأشجار والجدران نتيجة القصف العنيف للمدينة التي قاومت بكل ماتملك ، وبقيت الحقيقة المؤلمة بكل أبعادها المأساوية
إنسحب الجيش من سيناء ، إنسحبت إدارة الدولة من سيناء وبقى أفراد الشعب المصرى من أهل سيناء في مواجهة مباشرة مع العدو الصهيوني ،
وأفرزت شدة المواجهة ومرارة قسوتها ، حالة الصمود وترجمت ألياتها بروز قيم المقاومة برموزها وأدواتها الفاعلة النشطة والكامنة ،
إخترقت الدبابات الإسرائيلية مدينة العريش العاصمة وأتت على الأخضر واليابس ، وفرضت حالة منع التجول في المدينة ، وبدأت دوريات الجيش الأسرائيلى تجوب شوارع المدينة معلنة عن ساعات الحظر المفروض ومواعيدة ، المهددة والمطالبة للسكان بالإلتزام بالأوامر !!! وإلا فالقتل بإطلاق النيران هو مصير كل من يحاول الخروج عن مافرضته قوات جيش الدفاع من أوامر وساعات حظر ،،،
وتنوعت البيانات الصادرة من قوات الإحتلال ، فطالبت بخروج كافة الرجال من منازلهم والتجمع في منطقة الوادى جنوب مدينة العريش ، وإلتزام السيدات والأطفال بالجلوس داخل المنازل للتفتيش ،،،
وبدأت حملة واسعة لتفتيش المنازل ، وتم نزول جنود الإحتلال وفتياته بمخنزراتهم وسياراتهم الباور ، داخل المدينة وقاموا بالهجوم على المنازل وإقتحامها وتفتيشها وترويع سكانها من السيدات والأطفال ،،،
كما تم إعتقال الشباب والرجال من أبناء مدينة العريش والقرى المحيطة بها والتحقيق معهم وتعذيبهم في السجون والمعتقلات ،،،
وإستمرت هذه الحالة وطال أمدها ، وبرز مصطلح الصمود كمفهوم جديد يترجم مرحلة قاسية وحاسمة من المواجهة المباشرة مع العدو ، والمقاومة العنيفة له التي أخذت أشكالا عديدة ، إتسمت توجهاتها بصفات الصمود والتحدى خلال مرحلة فاصلة في تاريخ سيناء وظل الصمود هو الطريق والهدف الأسمى للخلاص والتحدى أمام عدو إحترف المؤامرة واستهوى سفك الدماء والسطو والإحتلال ، وامتلك زمام الحكم وسلطة السيطرة على المكان وحصد الغنائم بعد حلول النكسة ،،،
وفى المقابل كان إعلان الحداد والحشد المقاومة الشعبية ، هوالتصرف التلقائى لأهالى سيناء المحتلة ، فإرتدى رجالها الجلباب الأبيض الذى قصد به تصوير رمزى للحالة التي يعيشها الاهالى فكان القصد منه أن كل رجل من رجالها بزية الأبيض يحملون أكفانهم على أكفهم ، واتشحت النساء بالسواد تعبيرا عن الحزن وانتظارا للثأر، فكان إرتداء ولبسن الزى الأسود (القنعة والداير ) وهو زي مكون من جونلة سوداء واسعة طويلة وغطاء للرأس عبارة عن طرحة كبيرة تغطى الرأسى والصدر والأكتاف ، وكان هذا الرداء يلبس فوق الزى المعتاد سواء كان فستان او بنطلون وبلوزة ، وهذا الزى الذى إرتدته نساء وفتيات مدينة العريش وكافة مدن وقرى سيناء ، إستمر هو الزى الرسمي لهم حتى عودة سيناء عام 1982م ، وكان يمثل شكلا من أشكال المقاومة التعبيرية الصامته ، التي تعددت وسائلها وألياتها في سيناء ، فمنها ماكان واضحا صريحا ومنها ماكان سريا ومنها ماكان ضمنيا أو تعبيريا صامتا ، ومن وسائل المقاومة الأخرى التي إستخدمها الأهالى في سيناء هي أسلوب المقاومة السلبية والمتمثلة في رفض التعامل أو التعاون مع العدو الإسرائيلي بأى شكل من الأشكال ، وفى مواجهة هذه المقاومة الشعبية إستخدمت قوات الإحتلال الإسرائيلي أبشع وسائل العنف والبطش والإرهاب لقمع السكان وقد كشفت التحقيقات الدولية عن حكايات يشيب لها الولدان تثبت أن الصهيونية تفوقت على ربيبتها النازية ، في تعاملها مع أهل سيناء ، فكانت المواجهة التي إستمرت من 13: 15 عاما بين المدنيين العزل وبين قوات الاحتلال المدججة بأحدث الأسلحة والمعدات ، فألة الحرب العمياء الصماء ، أصبحت في مواجهة مع المدنيين العزل من رجال وسيدات وأطفال ، ولم تفرق بين طفل صغير أو شيخ كبير أو سيدة مسنة ، وبرغم كل هذه المعاناة فإن التحدى والمواجهة كانت قوية من قبل الأهالى وظل الصمود هو عنوان ومسار هذه المرحلة القاسية من تاريخ سيناء ،،،
هكذا هي سيناء في صمودها وإبائها لاتنام وعيونها ساهرة رابضة راصدة مدمرة لكل مخططات العدو وتحركاته على أرضها ، ظلت صامدة متماسكة تتحدى وتتحمل وترابط ولا تفرط في عزة وكرامة أهلها وأرضها التي قال عنهم موشى ديان ، وزير الدفاع الصهيوني السابق ، حين قال في حق أهل سيناء بدو وحضر ، العالم كله ينام ويقيل ، إلا بدو سيناء ، عيون ساهرة ٢٤ساعة في اليوم لا يعرف كيف!!!
وهذه الكلمات المنقول من مذكرات موشى ديان عن حرب 73 والذى قال فيها أن أهل سيناء كانو كل خنجر فى ظهورنا وبشهادة أكبر القادة الذين خاضوا حرب الإستنزاف ، الذين عرفوا أهل سيناء عيون مصر وجيشها الأبى وأقمارها الصناعية خلف خطوط العدو،،،
فهكذا هم أهل سينا كانوا خنجرا في ظهور أعداء الوطن وسيظلوا خنجرا مسموما فى ظهر كل معتد اثيم على تراب وطننا العزيز الغالى ،
ومازال للحديث بقية .
خالص تحياتى / سهام عزالدين جبريل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *