حوادث وجرائم

قضاة الإسلام.. “القاضي الباكى” قاضى بغداد سوار ابن عبد الله”.. كان يبكى قبل أى حكم

قليل الحديث، فقيها عالم بأمور دينه، نشأ في منزل علم ومن عائلة قضائية، جده سوار بن عبد الله قاضي قضاة البصرة، والده عبد الله بن سوار أيضا كان قاضي البصرة، مع كل حكم كان يستعد للنطق به، كانت عيناه تفيضان بالدمع، وهذا ما جعل الناس تطلق عليه لقب ” القاضي الباكى “.

بعد مجيء الإسلام، وبعد أن مكن الله لهذا الدين، كان لازما وحتما أن يكون لهذا الدين نظام اجتماعي عادل يحتكم إليه المجتمع، ويحتمى به من بطش الظالمين والمعتدين، فكان ثمرة الإسلام غلغل العدل في نفوسهم فأظهروه في أحكامهم، وفقهوا واقع الناس وملابسات الحوادث فأسهموا في إعادة الحقوق إلى أصحابها في أقرب وقت، فهم نماذج مضيئة لقضاة اليوم من أبناء الإسلام في أي مكان، وعليهم الأخذ بسننهم والاقتداء بأحكامهم، ليتحقق العدل على أيديهم، ويسود الأمن والأمان للناس في وجودهم، وتسعد الدنيا بهم.

من هؤلاء القضاة ” سوار بن عبد الله بن سوار بن عبد الله بن قدامة التميمي العنبري البصري، كنيته ” أبو عبد الله الإمام العلامة القاضي ” أو كما لقبوه ” القاضي الباكى “، قاضي الرصافة.

بدء القاضي ” سوار ” توليه منصب القضاء في سن الـ37 عاما، حيث تولى عمله كقاضى في الجانب الشرقي من مدينة السلام، حتى رحل إلى مدينة بغداد في العراق، وتولى القضاء بها حتى لقبوه بــ” القاضي الباكى “، وذلك كونه كانت عيناه تفيضان بالدمع من شدة تقوته لشدة حرصه على تطبيق العدل، وخوفه من ألله في حال كان حكمه خطأ، يصل إلى القرار الرشيد، يرفع رأسه إلى السماء وتفيض عيناه بالدموع، ويتلو حكمه، وسار على طريقته نجله وحفيده أيضا.

ففي ذات مرة رفض القاضي ” سوار ” أن يأخذ بأمر الخليفة ” أبو جعفر المنصور “، ما أثار فرحة الخليفة ” أبو جعفر المنصور “، الذى قال عن هذا الموقف ” ملأتها والله عدلاً فصار قضاتي يردوني إلى الحق “، كل هذه الأمور والمواقف البارزة في حياة القاضي ” سوار ” أهلته ورشحته لأن يكون أهل ثقة في منصبه، ما جعله تولى إمارة البصرة أيضا، وتوفي وهو أميرها وقاضيها في الوقت ذاته.

من بين المواقف التي أبرزت شخصية سوار القوية، حينما أرسل الخليفة أبو جعفر المنصور كتابا إليه يقول له فيه ” انظر الأرض التي تخاصم فيها فلان القائد وفلان التاجر، فأعطها إلى القائد “، إلا أن سوار لم يأخذ بتوجيهات الخليفة وكتب إليه قائلا ” إن البينة قد قامت عندي أنها للتاجر، فلست أعطها لغيره إلا ببينة ” .

رد القاضي ” سوار ” هذا على الخليفة ” أبو جعفر المنصور ” جعله يصر أمره إلى القاضي ” سوار ” ، فعاود وأرسل له مرة آخرى قائلا “والله الذي لا إله إلا هو لتدفعنها إلى القائد “، فرد عليه سوار ” والله الذي لا إله إلا هو، لا أخرجها من يد التاجر إلا بحق “، ففرح الخليفة برد سوار عليه قائلا “ملأتها والله عدلاً، فصار قضاتي تردوني إلى الحق”.

كان القاضي ” سوار ” لا ينطق بحكم إلا بأدلة موجودة مهما كان المتدخل، موضحا أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الشريف ” إنكم تحتكمون إلي وإنما أنا بشر ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، وإنما أقضي بينكم على نحو ما أسمع فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار يأتي بها يوم القيامة “.

و في مجلس القضاء كان رحمه الله ممن يرقبون الله في قضائهم، ويعلمون أن فوق حكمهم حاكما عدلا يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور،

قال عنه بكار بن محمد بن سيرين “رأيت سوار بن عبد الله وكان يستعد أن ينطق بحكم، فرفع رأسه إلى السماء واغرورقت عيناه ثم نطق حكم، وقال إبراهيم بن إسحاق “رأيت رجلا من جماعة السلطان يكلم سوار بن عبد الله في قضية قضى بها عليه ويتهدده، وظل سوار صامت، فلما فرغ الرجل من كلامه قال له سوار ” زعم الفرزدق أن سيقتل مربعا، بشر بطول سلامة يا مربع “

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *