أخبار مصر

محللون يرصدون لـ«الشروق» رسائل زيارة مدبولي للعراق

أعادت الزيارة الأخيرة للدكتور مصطفى مدبولي، رئيس الوزراء، إلى العراق الضوء مرة أخرى للعلاقات المصرية العراقية، خاصة أنها تعد الزيارة الأولى من نوعها منذ 2003، وشهدت زخمًا كبيرًا بتوقيع 15 اتفاقية تعاون بين البلدين في مجالات عديدة.

الزيارة التي جرت مطلع الأسبوع الجاري، شارك فيها بالإضافة إلى مدبولي، وزراء الكهرباء والطاقة المتجددة، والبترول والثروة المعدنية، والقوى العاملة، والتعاون الدولي، والصحة والسكان، والإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، والنقل، والطيران المدني، والتجارة والصناعة، والرئيس التنفيذي لهيئة الاستثمار والمناطق الحرة، بالإضافة إلى عدد آخر من المسئولين الحكوميين المصريين، ومن رجال الأعمال.

وبحسب خبراء، استطلعت “الشروق”، آرائهم فإن الزيارة حملت عددًا من الرسائل كعلامة على عنوان السياسة الخارجية المصرية في المرحلة المقبلة، بالعودة مرة أخرى إلى الامتدادات الطبيعية والحيوية لمصر، كطرف فاعل أساسي في المحيط والإقليم، والإجابة على سؤالين أولهما، أهمية التوجه المصري للعراق في إطار إعادة رسم ملامح السياسة الخارجية المصرية؟، وكيف يمكن قراءة التوجه المصري للعراق في مواجهة النفوذ الإيراني والتركي هناك في إطار الأمن القومي العربي؟

مصر تعيد رسم سياستها الخارجية وتسعى لتأكيد عروبة العراق
وبحسب اللواء أحمد عفيفي، عضو الهيئة الاستشارية لمركز القاهرة للدراسات الاستراتيجية، فإن مصر بعد 2013 بدأت في إعادة صياغة استراتيجية واضحة لسياستها الخارجية دعمتها بالعديد من الاتفاقيات والارتباطات، تكلفت هذه الاستراتيجية الكثير من الجهد والوقت لإقرارها حيث يتم ذلك بشكل تدريجي، وفقًا لمحددات التغيير.

وقال عفيفي، لـ”الشروق”، إن العراق دولة محورية في المحيط العربي الإسلامي؛ حيث تسعى مصر للتأكيد على عروبة العراق، ووحدتها وحماية الدولة الوطنية وتجاوز القوميات والطوائف والمذاهب، مضيفًا أن مصر تؤسس لهذا الاتجاه من ناحية الاقتصاد والأمن، من خلال إعادة إعمار العراق، وطرح الرؤى لعراق ما بعد داعش.

وأوضح أن توقيت الزيارة يعكس مؤشرًا عامًا حول الرؤية المصرية للوضع الحالي بالعراق ومستقبله القريب، في وقت تحتاج فيه الحكومة العراقية خطوات مقنعة أمام شعبها المنهك؛ لتلبية مطالبه وتحسين مستوى المعيشة والخدمات وتقليل نسب البطالة ومكافحة الفساد، وكذلك حصار العنف المتبادل وأعمال التصفية والاغتيال التي لا زالت تلقي بظلالها على مسار الاستقرار الهش، الذي يسعى إليه مصطفى الكاظمي رئيس الحكومة الحالية، بعد أن حدد موعدًا لإجراء انتخابات نيابية مبكرة في 6 يونيو 2021؛ “لإحداث تغيير جذري في الطبقة السياسية وإلغاء المحاصصة الطائفية”.

وأضاف أن مكونات المشهد هي نفسها مكونات الأزمة، التي تعد امتدادًا لأزمات كثيرة تعاقبت على العراق، ونتاج تراكمات سياسية وأمنية واقتصادية أدت إلى الوضع الراهن الذي أصبحت فيه الاحتجاجات الشعبية وتحولات الرأي العام الذي تجاوز الطائفية تحت ضغط الأوضاع المتدهورة، وتمدد النفوذ الإيراني عاملًا مؤثرًا على الساحة العراقية، ومن هنا تأتي أهمية زيارة رئيس الوزراء المصري لبغداد.

القاهرة تحاول العودة إلى مساحة “التأثير” الطبيعية بالمشرق العربي
واتفق مع اللواء عفيفي، الباحث في العلاقات الدولية محمد العربي، الذي قال لـ“الشروق” إن الزيارة جاءت في إطار أنها جزء أساسي من استراتيجية إعادة تنشيط السياسة الخارجية المصرية، ومحاولة القاهرة العودة إلى مساحة “التأثير” الطبيعية في المشرق العربي، في غير البعد الخليجي، وهي مساحة فقدتها القاهرة عبر عقود من الأزمات الإقليمية الممتدة والداخلية، لذا فتمتين العلاقات مع العراق والأردن أمر طبيعي، وإن كان يتم ذلك بشكل هادئ وخطوات محسوبة وبدون استفزاز أو إثارة المخاوف التقليدية الموجودة لدى القوى الإقليمية.

وأشار العربي إلى أن إيران تخشى خروج العراق من دائرة نفوذها؛ فتعتبرها ساحة لمواجهة الوجود الأمريكي في المنطقة، وقاعدة لتأسيس النفوذ في بقية المشرق العربي، لذا فالاقتصاد والتعاون التجاري والفني هو المساحة الذي يتشكل على أساسها “التقارب الحالي” بين القاهرة وبغداد، وهو ما يفسر وجود عمان كحلقة وصل في تلك السوق وخطوط مد الطاقة ونقل التجارة بين البلدين، مشيرًا إلى أنه في حال تطور هذا التقارب الاقتصادي إلى تحالف سياسي، فلن يكون من المستغرب انضمام دمشق لهذا “التحالف العربي” مع انتهاء الحرب الأهلية في سوريا.

مصر خرجت من “الكمون الاستراتيجي” للعودة إلى الإقليم
“التحول من مرحلة الكمون الاستراتيجي والخروج إلى الإقليم كان العنوان الأبرز في الزيارة”، بحسب محمد محسن أبو النور، رئيس المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية، الذي قال إن الزيارة المصرية لبغداد، يمكن قراءتها في إطار ملامح واتجاه السياسية المصرية الخارجية الجديدة في مرحلة ما بعد الاستقرار، حيث بدأت في الخروج للإقليم، ودشنت محاور سياسية وديبلوماسية.

وبحسب اللواء أحمد عفيفي فإن توجه الاستراتيجية المصرية تجاه العراق تستهدف العودة بقوة إلى عمق المشهد العراقي، والسعي لملء الفراغ العربي بعد 2003، من خلال محاور رئيسية أهمها لعب دور فاعل في التقريب بين مكونات المشهد العراقي، والعودة مجددًا للسوق العراقية، من خلال مشروعات استراتيجية عملاقة تشير إليها طبيعة تشكيل الوفد المصري الذي زار العراق الأيام القليلة الماضية ونوعية مذكرات التفاهم والتعاون التي وقعها الجانبين، وذلك بالنظر إلى محددات الواقع في العراق، بعد أن أصبحت الميليشيات العراقية ذراع إران القوي الذي يوجه سياسات العراق تجاه محيطه العربي، كما سادت الفوضى وتنامي تواجد تنظيم داعش وزادت تهديدات انتقاله إلى الأراضي الليبية، ومن جانب آخر هناك الأطماع التركية القديمة في العراق وتعود لعام 1995 عقب توقيع الاتفاق مع العراق على مطاردة حزب العمال الكردستاني لمسافة 30 كم داخل الحدود العراقية تلاها اتفاقية التعاون في مجال التدريب العسكري في 2006.

فيما يذهب العربي إلى أنه على المستوى الأمني والجيوستراتيجي، فالعراق ساحة هامة للأمن القومي المصري في بعده المشرقي العربي؛ من الضروري للقاهرة إخراج العراق من ساحة النفوذ الإيراني، دون الدخول في تنافس أو صراع واضح مع طهران، لذا تتصور القاهرة ضرورة تعزيز دور الحكومة المركزية في بغداد، وتعزيز وجودها الاقتصادي في العراق بما يوازن التأثير الإيراني، فهي لعبة حذرة.

من ناحية أخرى، تمثل العراق ساحة “آمنة” للقاهرة للتواصل مع طهران دون إثارة حساسية الخليج المفرطة تجاه تلك المسألة، وتؤكد متابعة القاهرة عن كثب للتدخل العسكري التركي المتكرر في شمال العراق، أهمية التحالف القوي مع بغداد لطرد النفوذ التركي من المنطقة، وهي مسألة قد تجذب القاهرة وطهران معًا بشكل ما.

ويقول الباحث محمد محسن أبو النور، إن هناك وجهتي نظر في هذه المسألة، الأولى تقول إن الخروج المصري للإقليم والمحيط العربي، ليس معناه الخصم من أي أدوار إقليمية لدول أخرى بل هو توجه منطقي في المحيط الطبيعي والإقليمي الحيوي لمصر، أما عن وجهة النظر الأخرى يقول إن هذا التوجه يعني في مضمونه أن تحل مصر محل القوى الأخرى غير العربية، مؤكدًا أن مصر لا تنافس أحدًا ولا تصارع أحدًا في النفوذ، لكنها تسعى لاستعادة امتداداتها الإقليمية والعربية.

مصر ذات تجربة كبيرة في إدارة الدولة وضبط الموارد
أما الخبير العراقي، سيف الهرمزي، مقرر قسم الدراسات الدولية بكلية العلوم السياسة جامعة تكريت العراقية، فيقول إن مصر ذات تجربة كبيرة في إدارة الدولة للخدمات وقدرتها على ضبط الموارد المتاحة بما يتسق مع حجم السكان الكبير، وهي في الوقت نفسه بحاجة للطاقة لتنوع مصادرها، ولكنه يبدي تشاؤمًا فيما يتعلق بقدرة العراق على الاستفادة من هذه الخبرة قائلًا: “فلا أعتقد أنه قادر على النهوض، مهما كانت مساهمة الدول، ضد الإرهاب لأن هناك دولة عميقة تبتز الشركات، وبالتالي فشلت الخطط والمشاريع من 17 عام والشواهد كثيرة، منها عقد شركة سيمنز الألماني لتطوير قطاع الكهرباء، ففشل العراق في توفير الكهرباء من عام 2003 وحتى يومنا هذا على عكس مصر التي استفادت منها”.

وأوضح الهرمزي لـ”الشروق” أنه سياسياً يحاول العراق في عهد العبادي والكاظمي أن يتحرر من الهيمنة الإيرانية والعودة إلى الحضن القومي العربي؛ لأنه بدون المحيط العربي لن يكون للعراق مستقبل ولن يكون هناك استقرار في ظل تشتت الموقف العربي تجاه القضايا المصيرية، مشيرًا إلى أن الأدوات تبقى متواضعة وستتضح الصورة أكثر مع نجاح الانتخابات القادمة من عدمها في منتصف عام 2021.

الزيارة التي جرت مطلع الأسبوع الجاري، شارك فيها بالإضافة إلى مدبولي، وزراء الكهرباء والطاقة المتجددة، والبترول والثروة المعدنية، والقوى العاملة، والتعاون الدولي، والصحة والسكان، والإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، والنقل، والطيران المدني، والتجارة والصناعة، والرئيس التنفيذي لهيئة الاستثمار والمناطق الحرة، بالإضافة إلى عدد آخر من المسئولين الحكوميين المصريين، ومن رجال الأعمال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *