أخبار مصر

«الشروق» تنشر حلقات من كتاب «سنوات الجامعة العربية» لعمرو موسى (3) أسرار ولادة مبادرة السلام فى قمة بيروت 2002

الأمير عبدالله أعلن المبادرة من خلال فريدمان ولم يتشاور مع السوريين تجنبًا لهجومهم المسبق عليها
دمشق لعبت بورقة اللاجئين الفلسطينيين لتخفيض سقف المبادرة من «التطبيع الكامل» إلى «العلاقات الطبيعية»
صغت نص المبادرة على مائدة الإفطار بجوار سعود الفيصل والشرع فى قمة بيروت
إسرائيل اتخذت موقفًا سلبيًا من المبادرة لأنها تستدرجها إلى التفاوض مع العرب مجتمعين

فى هذه الحلقة الثالثة من الكتاب الجديد للسيد عمرو موسى، الأمين العام الأسبق للجامعة العربية، الذى أورده تحت عنوان (سنوات الجامعة العربية) والذى سيصدر قريبا عن «دار الشروق»، نستعرض جهود موسى والجامعة العربية فى القضية الفلسطينية، التى خُصص لها فصلان على مساحة 66 صفحة، تناول الأول، ظروف ولادة مبادرة السلام العربية فى قمة بيروت 2002، وهو ما سننشر مقتطفات منه فى هذه الحلقة، فيما خصص الثانى لتطورات القضية الفلسطينية، مركزا على الانقسام الفلسطينى بين فتح وحماس أو الضفة وغزة على القضية الفلسطينية، ومؤتمر أنابوليس للسلام، ثم الانقسام العربى العمودى فى ظل العدوان على غزة سنة 2009، وموقف إدارة الرئيس الأمريكى الأسبق باراك أوباما من القضية الفلسطينية.

ويكشف عمرو موسى فى هذا الكتاب ــ الذى قام بتحريره وتوثيقه الكاتب الصحفى خالد أبو بكر ــ أسرار عشرية مليئة بالأحداث الجسام فى بلاد العرب كان فيها أمينا لجامعة الدول العربية (2001 ــ 2011)، فعلى مدى 19 فصلا، موزعة على 574 صفحة من القطع المتوسط، لم يترك الأمين العام قضية سياسية كانت الجامعة وهو شخصيا طرفا فيها إلا وتناولها فى أى بقعة من بقاع العالم العربى من محيطه إلى خليجه.

تبوأت منصبى أمينا عاما لجامعة الدول العربية بينما كانت الانتفاضة الفلسطينية الثانية قائمة ونشطة. كما كان التعنت الإسرائيلى مستمرا بل متصاعدا، وكذلك كان الجمود يشل «عملية السلام» (وهو الاسم الذى كان شائعا للمفاوضات العربية ــ الإسرائيلية المتردية، وأنا هنا استخدم العبارة للتسهيل) فمنذ أن تسلم الرئيس الأمريكى جورج دبليو بوش مهامه رسميا فى 20 يناير 2001 وحتى أحداث 11 سبتمبر من ذات العام لم تقدم إدارته أى مبادرة سياسية لمعالجة الصراع الإسرائيلى الفلسطينى، وظلت نظرتها إلى الانتفاضة الفلسطينية على أنها حالة عنف، تعالج بإجراءات أمنية فقط.

فى المجمل كان الموقف الأمريكى تجاه القضية الفلسطينية فى الفترة الممتدة من 20 يناير 2001 وحتى 11 سبتمبر 2001، ثابتا على حاله، مع الأخذ بعين الاعتبار أن إدارة بوش اتبعت سياسة العصا مع الفلسطينيين، لاعتقادها أن سياسة الجزرة لم تنجح مع الرئيس الفلسطينى ياسر عرفات فى مفاوضات كامب ديفيد 2000، وبالتالى يجب احتواء وإنهاء القضية الفلسطينية بالرؤية التى تراها مناسبة، والتى تتقاطع مع السياسة الإسرائيلية، إلا أن الأمور تغيرت بعد 11/ 9.

بعد وقوع هذه الهجمات فى نيويورك وفيما كانت القوات الأمريكية تنهى استعدادها لغزو أفغانستان، وفيما كانت الإدارة الأمريكية منهمكة فى حشد تحالف دولى واسع لدعم «الحرب على الإرهاب»، أعلن بوش أن «قيام دولة فلسطينية كان دوما جزءا من الرؤية الأمريكية مادام حق إسرائيل محترما فى الوجود.. لكن أولا، عندما يتعلق الأمر بالشرق الأوسط، يتعين علينا الوصول إلى تقرير ميتشل (تقرير أصدرته لجنة لتقصى الحقائق التى ترأسها السيناتور جورج ميتشل لبحث أسباب اندلاع انتفاضة سنة 2000). فقد وضع السناتور ميتشل مخططا قابلا للتطبيق يوافق عليه معظم العالم، وهو طريق ضرورى لحل مشاكل الشرق الأوسط فى نهاية المطاف. ونحن نعمل بجد مع الجانبين (الفلسطينى والإسرائيلى) لتشجيع الحد من العنف حتى يمكن إجراء مناقشات هادفة».

فى الحقيقة فور إطلاعى على تلك التصريحات التى هى الأولى لبوش متحدثا عن دولة فلسطينية اعتبرت أنها لا تعدو أن تكن عملية غير سليمة مبنى ومعنى وأهدافا؛ ذلك أننى قدرت وقتها أن الرجل يحتاج إلى دعم العرب والمسلمين فى حربه المقبلة ضد بعض دولهم، ولذلك فلا مانع لديه من مغازلتهم فى القضية المركزية بالنسبة للكثيرين منهم، وهى القضية الفلسطينية. ما يؤكد استنتاجى هو أنه بعد تلك التصريحات بنحو خمسة أيام، وبالتحديد فى 7 أكتوبر 2001، بدأت الولايات المتحدة حربها على أفغانستان.

فريدمان وولادة المبادرة العربية للسلام
نشر توماس فريدمان، كاتب العمود الشهير فى صحيفة «نيويورك تايمز الأمريكية»، فى 6 فبراير 2002، رسالة إلى القادة العرب على لسان الرئيس الأمريكى جورج دبليو بوش ــ شرح فيما بعد أنها كانت رسالة وهمية من ادعائه ــ تحت عنوان Dear Arab Leage. ومن ضمن ما قاله فيها: «أنت (أى الحكام العرب) من يملك القدرة على إعادة تشكيل الدبلوماسية حقا، وليس أنا. وهنا نصيحتى لكيفية القيام بذلك: لديك قمة جامعة الدول العربية المقرر عقدها فى مارس فى لبنان.

أقترح أن يصدر مؤتمر القمة قرارا بسيطا واحدا: «يقول 22 من أعضاء جامعة الدول العربية لإسرائيل إنه مقابل انسحاب إسرائيلى كامل إلى خطوط 4 يونيو 1967 ــ فى الضفة الغربية وغزة والقدس ومرتفعات الجولان ــ نحن نقدم اعترافا كاملا بإسرائيل، وعلاقات دبلوماسية كاملة، أى سلام كامل مع جميع الدول العربية الـ 22 للانسحاب الكامل».

بعد أقل من أسبوع التقى فريدمان الأمير عبدالله ولى العهد فى مزرعته قرب الرياض. وكتب الصحفى الأمريكى تفاصيل تلك المقابلة التى تضمنت الإعلان لأول مرة عن ما عرف بـ«مبادرة الأمير عبدالله للسلام فى الشرق الأوسط»، قبل أن تعتمدها 22 دولة عربية فى قمة بيروت فى 28 مارس 2002، ليصبح اسمها «المبادرة العربية للسلام».

من جانبى أقول إن مضمون رسالة فريدمان سبقها نقاش طويل امتد طوال السنة الأخيرة لى وزيرا لخارجية مصر والسنة الأولى أمينا عاما للجامعة العربية وذلك بينه (فريدمان) وبينى فى دافوس، عن أفضل الطرق وأنجعها لإرساء الأسس اللازمة لسلام متوازن يأخذ فى الاعتبار الاحتياجات الأساسية لكلا الطرفين، ولايزال فريدمان يذكرنى بذلك. كانت آخر مرة ناقشنا فيها تلك الذكريات فى يناير 2019. وبهذه المناسبة أدعو من يريد إلى التواصل مع فريدمان ليسأله عن الأصل المشترك لفكرة الطرح المتوازن للحقوق والالتزامات بالنسبة للطرفين العربى والإسرائيلى.

والواقع أننا على الجانب العربى كنا نبحث عن مخرج، فالهجمة شرسة علينا باعتبارنا إرهابيين أو على الأقل منتجين لهم وذلك فى أعقاب أحداث 11/ 9، فكان لابد من الانتقال لشن حرب دبلوماسية تنقلنا من خانة الدفاع دون تقديم تنازلات مؤلمة أو مع تنازلات متبادلة. كان تفكير ولى العهد السعودى فى ذلك الوقت هو التفكير السليم الذى ينبع من نفس منطق «خذ وأعط».

وكان الأمير هو وحده صاحب المكانة التى تؤهله لطرح المبادرة العربية دون مزايدة من آخرين سوف يتحرجون من مهاجمته أو الاعتراض على ما يقترحه. كان الأمير (الملك) عبدالله ذا مصداقية هائلة لدى الرأى العام العربى والحكومات العربية جميعا ولدى العالم، ومن ثم كان اقتراحه أو مبادرته خطوة تاريخية جديرة بالتأييد الشامل لها.

ضغط سورى ــ لبنانى لخفض سقف المبادرة
لم يكن السوريون مرتاحين إزاء مبادرة الأمير عبدالله؛ إذ إن ولى العهد لم يتشاور معهم قبل الإعلان عن مبادرته فى «نيويورك تايمز». أظن أن الأمير وضع تجربة السادات مع السوريين نصب عينيه؛ فقرر عدم التشاور أو التنسيق معهم قبل صياغة المبادرة مخافة أن يطلقوا النار عليها قبل الإعلان عنها. لم يعلن السوريون غضبهم من ذلك صراحة، لكن مجهودهم الرئيسى فى نقد المبادرة خلال اتصالاتهم انصب على عبارة «التطبيع الكامل»، التى وردت فيها، كرد من العرب على إنسحاب إسرائيل إلى حدود الرابع من يونيو 1967.

فى نفس الوقت اندفع السوريون ببراعة للعب بورقة «اللاجئين الفلسطينيين» وحق العودة الذى لم يتم الإشارة إليه فى التفاصيل المنشورة عن المبادرة؛ لأنهم يدركون جيدا الحساسية الفلسطينية ثم اللبنانية من موضوع اللاجئين، ذلك أن بعض الطوائف اللبنانية ترى أن توطين نحو 350 ألف لاجئ فلسطينى معظمهم من المسلمين السنة، أمر يخل بالميزان الديمغرافى فى لبنان.

فى 3 مارس 2002 (قبل انعقاد قمة بيروت وربما تمهيدا لها)، قام بشار الأسد بأول زيارة رسمية إلى بيروت من قبل رئيس دولة سورى منذ أكثر من خمسين عاما. خلال زيارته، أصدر الأسد والرئيس اللبنانى إميل لحود بيانا مشتركا لم يشيرا فيه إلى مبادرة الأمير عبدالله صراحة، لكنهما قالا: «يجب أن تسمح التسوية الشاملة مع إسرائيل بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وإزالة المستوطنات الإسرائيلية فى الضفة الغربية وغزة».

بعد زيارة الأسد، تخلى السعوديون بهدوء عن مصطلح «التطبيع الكامل» من التصريحات الرسمية الممهدة للمبادرة. وفى هذا السياق وصف وزير الخارجية، سعود الفيصل المبادرة فى 10 مارس بأنها تعرض على إسرائيل «سلاما تاما» مقابل الانسحاب إلى حدود عام 1967، ولم يركز على مصطلح «التطبيع الكامل».

قمة بيروت 2002
صبيحة افتتاح قمة بيروت فى 27 مارس 2002 دعانى الأمير سعود الفيصل لإفطار مبكر (نحو ساعة قبل وصول وزير خارجية سوريا فاروق الشرع لنفس الدعوة) وجاء الشرع بالفعل فى موعده. لاحظت أنه يريد الانفراد بسعود وهو ما مكنته منه، إذ كان على أن أصوغ المبادرة فى صورتها النهائية تاركا موضوع اللاجئين والتطبيع (أو الاعتراف) إلى حين انتهاء المباحثات السورية ــ السعودية. جلست أكتب على مائدة بعيدة وإن فى ذات الصالون. كنت قاصدا أن أكتب النص فى وجود سوريا، وأن أعرض النص على سعود فى وجود الشرع.

كنا فى الدور السادس من فندق فينيسيا الشهير فى بيروت، وفى الصالون الخاص بكبار الضيوف تحديدا. لاحظت توترا على فاروق الشرع وفروغ صبر لدى سعود. كنا فى فترة الصباح الباكر تلك التى جمعتنى والأمير وحدنا قد ناقشنا الموقف السورى الذى كنت مؤيدا له وهو ما ذكرته للأمير، قائلا: «إن الأمر فى النهاية أمر صياغة، وخصوصا فى النقطة الخاصة باللاجئين الفلسطينيين التى يدعمها قرار الأمم المتحدة 194 لسنة 1948، الذى يمكن استخدام صياغته. وأما الاعتراف أو التطبيع فطالما هو مشروط فلا غضاضه منه».

الحقيقة أن موقف سوريا أضاف إلى المبادرة ولم يضعفها، ولست أرى أن سوريا كانت معارضة لفكرة المبادرة فى ذاتها، كما أؤكد أنها كانت حريصة على عدم الصدام مع (الملك) عبدالله. المهم أنه بعد التفاهم الذى جرى بين الأمير سعود وفاروق الشرع انضممت إليهما حيث دار نقاش حول الصياغة النهائية، وقال الأمير سعود إن عمرو موسى كفيل بها.

قلت إننى سوف أعدها بسرعة وأعرضها على كل منهما ــ ربما وهما جالسان هنا ــ قبل أن نطبعها
ونعدها للعرض على الوزراء الآخرين، وهو ما حدث بالفعل، وبينما أطلع عليها سعود بسرعة ووافق عليها، قرأها فاروق الشرع كلمة كلمة، ثم توقف عند عبارة «العلاقات الطبيعية» فى سياق الفقرة التى تقول «إنشاء علاقات طبيعية مع إسرائيل فى إطار هذا السلام الشامل».

قلت له يا أبا مضر هذه عبارة أقل من «التطبيع الكامل التى تحفظتم عليها»، فسكت ولم يعلق وهو
ما اعتبرته موافقة على الصياغة.
ثم سألنى: ماذا تنوى أن تفعل الآن؟
قلت: سوف أراجع الصياغة مرة أخرى من حيث اللغة والترتيب، ثم أخطر بها باقى الوزراء، لكن لن أوزعها عليهم إلا فى الاجتماع ذاته، أى سوف تكون هناك نسخة واحدة فى يدى فقط للساعة أو الساعتين القادمتين، واعتقد أن الاجتماع سوف يتأخر بعض الوقت.

ذهبت بعد ذلك إلى المكتب المخصص للأمين العام وكان بجوار المكتب الذى خصص لرئيس القمة (الرئيس اللبنانى إميل لحود) فى دور تحت الأرض فى الفندق، حيث توافد عدد من الوزراء تمهيدا للقمة التى اقترب موعد افتتاحها، وأطلعت من يريد على النص دون تسليم نسخ.

كان وزير الخارجية المصرية ــ أحمد ماهر السيد ــ مندهشا مما جرى، وأطلعته من جانبى على النص، إذ لم يدعوه وزيرا الخارجية السعودى والسورى للانضمام إليهما؛ فغادر دون تعليق. أما كوفى أنان وخافيير سولانا وغيرهما فاتصلوا بى تليفونيا، واعتقد أنهما اتصلا بالأمير سعود الذى ذكر أن النص معى وهو النص الوحيد، وكان ردى هو نفسه الذى ذكرته للوزراء. طلبت من مدير مكتبى (السفير هشام بدر) أن يقوم بترجمة النص إلى الإنجليزية وأن يكتبه بنفسه ويسلمنى إياه، وهو أيضا ما حدث.

اقتربت ساعة الانعقاد، وتركت الترتيبات للسفير هشام بدر، إذ انشغلت بأمر آخر هو إذاعة نص خطاب يود ياسر عرفات أن يلقيه على القمة من حصاره فى المقاطعة برام الله، وكانت هناك معارضة من سوريا ولنان، وعدم اقتناع من رئاسة القمة. كنت محبطا وأنا أرى أن موقف القمة أو بعض أعضائها غير سليم إطلاقا لا من حيث الشكل ولا المضمون، ويجعل إسرائيل تبتسم ساخرة من موقف العرب تجاه الرئيس الفلسطينى.

هذا الموضوع أصابنى بحالة إحباط وضيق كانت واضحة على وجهى؛ وهو ما لاحظه الأمير عبدالله ولى عهد السعودية، رحمه الله، وإذا به يضع يده على كتفى قائلا: يا عمرو حين تشعر بضيق اقرأ سورة العصر: (وَالْعَصْرِ * إِنَ الْإِنْسَانَ لَفِى خُسْرٍ * إِلَا الَذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِ وَتَوَاصَوْا بِالصَبْرِ). وقد فعلت ومازلت أفعل حتى الآن.. رحم الله الملك عبدالله.. كم أحببته.

تحفظات ليبيا على المبادرة
الحقيقة أن الجلسة الختامية لقمة بيروت فى 28 مارس 2002 قد تأخرت ساعتين ونصف الساعة بسبب اعتراض السوريين على الصياغة التى صدرت بها المبادرة العربية، الذين كانوا قد أصروا على إلغاء مصطلح «التطبيع الكامل» وطرح مصطلح «سلام كامل»، وكنت قد استبدلت بهما عبارة «العلاقات الطبيعية» كحل وسط، وهى الصيغة التى اعتمدها السوريون بعد مفاوضات شاقة.

كانت هناك صعوبة أخيرة تقف أمام الموافقة الجماعية على المبادرة العربية، هى اعتراض ليبيا على بعض البند الثالث من بنود المبادرة الذى ينص على: «اعتبار النزاع العربى الإسرائيلى منتهيا، والدخول فى اتفاقية سلام بينها وبين إسرائيل مع تحقيق الأمن لجميع دول المنطقة».
كان أخى وصديقى على التريكى هو ممثل ليبيا، وهو دبلوماسى قدير، وقد أثار اعتراض ليبيا على البند المشار إليه فى الجلسة الرابعة (مغلقة) والتى انعقدت بعد ظهر اليوم الثانى للقمة، وجاء نص اعتراضه بالنص فى محضر الجلسة كما يلى:

«فيما يخص الفقرة 3 التى تنص على «اعتبار النزاع العربى الإسرائيلى منتهيا، والدخول فى اتفاقية سلام بينها وبين إسرائيل».. هذا يعنى أن الدول العربية التى لها أرض محتلة وليس الدول العربية جميعا على ما أعتقد؛ لأنه ما الذى يلزم دولة عربية فى شمال إفريقيا أن تبرم اتفاقية سلام مع إسرائيل؟

لا نتحدث عن ليبيا.. وإنما نتحدث عن الدول التى هى ضحية للعدوان الآن وأرضها محتلة، سوريا.. لبنان.. الفلسطينيون.. هؤلاء هم الذين يبرمون اتفاقية سلام.. أما الدول العربية الأخرى فما الذى يعنيها؟ ما الذى يجعلنى أبرم اتفاقية سلام مع إسرائيل؟.. نريد أن يوضح لنا أولئك الذين وضعوا الوثيقة أو لجنة الصياغة أو معالى الأمين العام: مَن الذى سيعقد اتفاقية مع إسرائيل؟ إنها الدول التى لها أرض محتلة والتى تقوم بعملية السلام أو المقصود جميع الدول؟».

بعد تمسك الكثير من الدول بنص الفقرة التى اعترضت عليها ليبيا، شدد التريكى على أن ليبيا «تؤيد المبادرة وليست ضدها. لقد اتفقنا على أن المبادرة هى تحرك سياسى يهدف إلى إحراج إسرائيل، ونحن مع مبادرة سمو الأمير عبدالله، لكن لا يمكن أن نقبل نصا يلزم العرب جميعا بأن يقوموا بتوقيع اتفاقيات سلام مع إسرائيل».

وعندئذ قال الأمير عبدالله ابن عبدالعزيز: أشكر الأخ التريكى.. وإذا كان ولابد يتحفظ عليها فهو يقبلها، ومن ثم فليتحفظ على هذه النقطة». ثم عرضت المبادرة للتصويت ولم تصوت ليبيا ضدها، وجرت الموافقة عليها بالإجماع.. رحم الله على التريكى كان عروبيا صادقا.

رد فعل إسرائيلى ــ أمريكى سلبى على المبادرة
لم أتوقع استجابة إيجابية من الإسرائيليين على المبادرة العربية؛ لأنها تستدرجهم إلى الموقع الذى لا يحبونه فى التفاوض مع العرب كجماعة بشأن القضية الفلسطينية، وهو موقع لا يقبلونه تاريخيا. فـ«المفاوضات الثنائية» مع طرف ضعيف هى الطريقة المفضلة التى يحبذونها؛ لإدراكهم أن أى مواجهة ولو تفاوضية مع العرب مجتمعين لن تكون فى صالحهم أبدا.

السبب الثانى الذى جعلنى لا أتوقع ردا إيجابيا من إسرائيل على المبادرة العربية أنها تبيع لهم «التطبيع الكامل»، وإن خففت صيغته كما سبق وبينت مقابل الأرض العربية وحدود 4 يونيو 1967، والحقيقة أن الخط الاستراتيجى فى السياسة الإسرائيلية كما خبرتها يقوم على أنه بالإمكان الفوز بـ«تطبيع مجانى» من العرب من دون الحاجة للتفريط فى الأرض المهمة بالنسبة لأمن إسرائيل القومى.

ما أدهشنى حقا هو رد الفعل الأمريكى الفاتر للمبادرة مع أن العديد من المصادر والمؤسسات الأمريكية كانت تدفع باتجاه صدور هذه المبادرة من قمة 2002 حتى يمكن «طمأنة» الإسرائيليين ودفع العملية السلمية إلى الأمام. كما أن الحضور والإصرار الدولى الكثيف الأوروبى والأمريكى والأمم المتحدة لم يكن لمجرد المشاهدة والتشجيع، وإنما كان لضمان صدور المبادرة. إذن لماذا هذا البرود فور صدورها؟ إنه موقف إسرائيل التى رأت فى المبادرة خطورة أن يدعمها العالم ومن ثم يضغط عليها للقبول بها والتجاوب معها؟ ثم تصاعد العنف خلال الانتفاضة الثانية ليكهرب الجو ويصعب عرض مبادرة الجامعة العربية على مجلس الأمن العرض السياسى المطلوب والمنطقى بعد هذا الاجماع العربى على الموقف الجديد بمد يد السلام ويطرح تنازلات «متبادلة» محددة ومصاغة بجدية.

نعم كان رد الفعل الأمريكى الأولى بشأن المبادرة فاترا، حيث وصفه المتحدث باسم وزارة الخارجية ريتشارد باوتشر بأنها مجرد «خطوة هامة وإيجابية». بعد بضعة أيام، على ذات النغمة وصفها وزير الخارجية كولن باول بأنها «خطوة مهمة»، لكنه نوه إلى الحاجة إلى مزيد من التفاصيل بشأنها، (وكأنهم لم يكونوا على دراية بها!)

ويكشف عمرو موسى فى هذا الكتاب ــ الذى قام بتحريره وتوثيقه الكاتب الصحفى خالد أبو بكر ــ أسرار عشرية مليئة بالأحداث الجسام فى بلاد العرب كان فيها أمينا لجامعة الدول العربية (2001 ــ 2011)، فعلى مدى 19 فصلا، موزعة على 574 صفحة من القطع المتوسط، لم يترك الأمين العام قضية سياسية كانت الجامعة وهو شخصيا طرفا فيها إلا وتناولها فى أى بقعة من بقاع العالم العربى من محيطه إلى خليجه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *