أخبار مصر

مصطفى الفقي يكتب: مستقبل الإعلام العربي

المسألة مرهونة بالتنامي في قضية الديمقراطية واتساع مساحة الحريات والإقلال من حجم المحظور

لعب الإعلام دورا مهما ومؤثرا فى السياسات العربية بشكل ملحوظ مع مطلع حكم عبدالناصر لمصر بداية الخمسينيات من القرن الماضى، ذلك أن الرئيس المصرى قد استخدمه كأداة أساسية مع الشارع العربى فى وقت شهد انقساما بين الدول العربية فضلا عن أنها كانت سنوات التحرر الوطنى والمواجهة الحادة ضد الاستعمار الغربى، فسخرت الناصرية الإعلام المصرى الذى وصل إلى الجبال والوديان والمدن والقرى فى أنحاء العالم العربى، وبميلاد محطة إذاعة «صوت العرب» أصبح الإعلام أداة نافذة فى قطاعات كثيرة من أرجاء العالم العربى، وبرز مذيع راحل هو أحمد سعيد ليكون صوتا مؤثرا لدى الجماهير العربية، وقد تصادف ذلك مع بداية عصر «الراديو ترانزستور»، فأصبح الإعلام قنبلة موقوتة قابلة للانفجار فى وجه كل من يختلف مع عبدالناصر.
كما لعبت الصحافة العربية خصوصا فى مصر ولبنان دورا كبيرا فى تأجيج الصراع وتوسيع هوة الخلاف بين الدول العربية تحت مسمى الحرب على الاستعمار والرجعية، ومع التقدم التكنولوجى ودخول معظم الدول العربية إلى عصر التلفزيون تحولت شاشاته المرئية إلى مرآة مباشرة لما كان يجرى فى ذلك الوقت من صراعات محمومة ومواقف حادة فى وقت اتسم بأحداث كبرى فى منطقة الشرق الأوسط حيث لعب الصراع العربى الإسرائيلى دورا مؤثرا فى استخدام أدوات الإعلام الجديدة التى أصبحت مطروحة على الساحة من كل اتجاه، ثم جاءت نكسة 1967 لكى تؤدى إلى نوع من المراجعة مع الذات، والتقى عبدالناصر العاهل السعودى الراحل الملك فيصل وسادت أجواء العالم العربى روح المصالحة خصوصا بعد مؤتمر القمة العربية بالخرطوم فى أغسطس (آب) عام 1967. وتهيأ الجميع لمعركة الثأر ودعمت السعودية والكويت وبعض إمارات الخليج الخزانة المصرية من أجل مشتريات السلاح استعدادا ليوم موعود، وبرحيل عبدالناصر فى سبتمبر (أيلول) 1970 بدأنا نقرأ مشهدا جديدا فى المنطقة ثم كانت حرب أكتوبر (تشرين الأول) عام 1973 التى قاتلت فيها وحدات من جيوش عربية مع الجيشين المصرى والسورى وكان الظهير الأكبر فى تلك الحرب الظافرة هو أيضا العاهل السعودى الراحل الملك فيصل مدعوما بعدد من حكام دول الخليج التى كانت فى بداية عهدها بالسياستين الدولية والإقليمية.
وعندما اعتدل الإعلام العربى كانت النوافذ قد فتحت للإعلام الأجنبى على الجانب الآخر، وهو ما جعلنا نفكر بمنطق دولى أكثر منه منطقا قوميا حتى كانت زيارة الرئيس المصرى الراحل أنور السادات إلى القدس نقطة تحول خطيرة أدت إلى الانقسام الأكبر على الساحة العربية، وجرت مقاطعة القاهرة دبلوماسيا وإعلاميا إلى أن تحولت الأمور بعد ذلك برحيل الرئيس السادات وبداية العودة العربية فى علاقات طبيعية مع مصر عادت بها الجامعة العربية من تونس إلى القاهرة حيث مقرها كما حدده ميثاق إنشائها. ويبقى أمامنا الآن ونحن بصدد الحديث عن مستقبل الإعلام العربى أن نشير إلى الظواهر التالية:
أولا: لقد كنا نتصور أن المطبخ السياسى يستخدم الإعلام كصالون للحوار وتبادل المعلومات بحيث أن ما يتم تجهيزه فى المطبخ يذهب إلى العامة على مائدة الطعام أو فى حجرة الزوار، ولكن الأمر اختلف فى السنوات الأخيرة فأصبحنا نشهد سباقا محموما بين الإعلام والدبلوماسية، ورأينا كيف يقفز الإعلام ليسبق القرار السياسى ويتقدم عليه وكأنه يبشر به أو يستكشف الطريق له وما أكثر المواقف والأزمات التى سبق فيها الإعلام القرار الرسمى وكأنه بالونة اختبار متعمدة أو هو رغبة فى السبق الإعلامى الذى تسعى إليه الأدوات العصرية للإعلام الحالى.
ثانيا: لقد شاع بين الدول العربية منصب وزير الإعلام كمسئول سياسى أمام الحكومات وبذلك ربطت الدول العربية بين الإعلام الرسمى والحر أو غير الرسمى حتى أصبحت الرسالة الإعلامية فى كثير من الدول العربية تحت رقابة شديدة وصلت أحيانا حدا من الصرامة يؤدى إلى حجب المعلومة أو إيقاف الرأى بفعل السيطرة القائمة، لذلك فإن الزعم بأن الإعلام العربى حر هو أمر يجافى الحقيقة إلى حد كبير، ولو أننا نعترف أن السماوات المفتوحة وآليات التواصل الاجتماعى قد ضربت أشكال الرقابة فى مقتل وجعلتها أحيانا هى والعدم سواء، فالمواطن العادى يستطيع أن يحصل على المعلومة الدقيقة إذا أراد ولو من مصادر غير وطنية!
ثالثا: لعلنا لا نختلف كثيرا إذا قلنا إن الإعلام العربى قد اعتمد بدرجة كبيرة على الشعارات الصاخبة والعبارات الرنانة حتى اختلط الإعلام بالإعلان وأصبحت الأنظمة تروج لسياساتها وتبرر أخطاءها من خلال الاحتماء بشعارات قومية أو أفكار وطنية، ولا يقف الأمر عند هذا الحد بل يتجاوزه لتبنى مواقف عكسية عند اللزوم، وقد نجم عن ذلك كله ارتفاع شديد فى تقنيات الإعلام الحديث ووسائل الاتصال العصرية لعل المواطن العربى يجد فيها ما يشبع رغبته فى المعرفة وحرصه على التواصل مع الحقيقة، ولعلنا نقول هنا إن الأمور تتفاوت من دولة لأخرى وفقا لطبيعة النظام السياسى ومساحة الحريات المتاحة بل إن الأمر يختلف من عهد إلى عهد داخل الدولة الواحدة.
رابعا: لقد حسمت وسائل التواصل الاجتماعى الأمر تماما إذ أصبح بمقدور الإنسان الفرد أن يطرح رأيه على كل من يقرأ رسالته المفتوحة ولا توجد قدرة للمنع إلا بإجراءات فنية معقدة، ومن هنا فإننا نقول إن أدوات التواصل الاجتماعى أصبحت تمثل قفزة هائلة فى إطار الإعلام الرسمى والخاص على حد سواء، ولم يعد الإعلام الموجه هو صاحب السيطرة كما كان الأمر منذ عدة عقود، وهنا تكمن المشكلة الحقيقية وكأن وسائل التواصل الاجتماعى قد أصبحت رقيبا على المادة الإعلامية بشكل يؤثر تماما فى الإعلام الموجه فى أى دولة.
خامسا: لقد كانوا يقولون إن الصحافة هى آية هذا الزمان، ونحن نقول بل هى الميديا العصرية بكل تقنياتها وآثارها التى يشعر بها إنسان العصر فى كل مكان، فلقد سبقت الشاشة الصغيرة الصحيفة المقروءة بل إن الصحيفة الإلكترونية سبقت الاثنين معا، وإذا كنا نجادل الآن حول مستقبل الصحيفة الورقية فإننى أزعم أنها سوف تستمر حتى لو تراجعت قليلا، والعبرة تكمن فى العلاقة الحميمة بين القارئ وأوراق الصحيفة ورائحة المطابع التى ارتبطت تاريخيا به.
والملاحظ أن كثيرا من الدول المتقدمة لا تزال تحرص على الصحافة الورقية ولا تتخلى عنها لأنها سجل لحياة الأمم وتاريخ الشعوب، ولهذا فإن الذين يتحدثون حاليا عن الصراع المحسوم بين الصحافة الورقية والصحافة الإلكترونية هم واهمون لأنه لا تناقض بينهما، بل سوف يتعايشان دائما فى الصورة التى تفرضها ظروف المستقبل واحتمالاته المجهولة، ولكن سوف تظل صياغة مقال الرأى تجد مكانها الأكيد فى الصحافة الورقية مهما تغيرت الأمور أو تعددت الأسباب.
إن مستقبل الإعلام العربى مرهون بالدرجة الأولى بالتنامى فى قضية الديمقراطية واتساع مساحة الحريات والإقلال من حجم المحظور وفتح الأبواب والنوافذ أمام الهواء الطلق الذى يأتى بنسائم العصر ويفتح الطريق أمام الأجيال الجديدة، ويجعل المعلومة صحيحة حقا لكل مواطن، ويجعل من حرية الرأى واحدة من المبادئ الأساسية فى الحياة العربية المقبلة.

لعب الإعلام دورا مهما ومؤثرا فى السياسات العربية بشكل ملحوظ مع مطلع حكم عبدالناصر لمصر بداية الخمسينيات من القرن الماضى، ذلك أن الرئيس المصرى قد استخدمه كأداة أساسية مع الشارع العربى فى وقت شهد انقساما بين الدول العربية فضلا عن أنها كانت سنوات التحرر الوطنى والمواجهة الحادة ضد الاستعمار الغربى، فسخرت الناصرية الإعلام المصرى الذى وصل إلى الجبال والوديان والمدن والقرى فى أنحاء العالم العربى، وبميلاد محطة إذاعة «صوت العرب» أصبح الإعلام أداة نافذة فى قطاعات كثيرة من أرجاء العالم العربى، وبرز مذيع راحل هو أحمد سعيد ليكون صوتا مؤثرا لدى الجماهير العربية، وقد تصادف ذلك مع بداية عصر «الراديو ترانزستور»، فأصبح الإعلام قنبلة موقوتة قابلة للانفجار فى وجه كل من يختلف مع عبدالناصر.
كما لعبت الصحافة العربية خصوصا فى مصر ولبنان دورا كبيرا فى تأجيج الصراع وتوسيع هوة الخلاف بين الدول العربية تحت مسمى الحرب على الاستعمار والرجعية، ومع التقدم التكنولوجى ودخول معظم الدول العربية إلى عصر التلفزيون تحولت شاشاته المرئية إلى مرآة مباشرة لما كان يجرى فى ذلك الوقت من صراعات محمومة ومواقف حادة فى وقت اتسم بأحداث كبرى فى منطقة الشرق الأوسط حيث لعب الصراع العربى الإسرائيلى دورا مؤثرا فى استخدام أدوات الإعلام الجديدة التى أصبحت مطروحة على الساحة من كل اتجاه، ثم جاءت نكسة 1967 لكى تؤدى إلى نوع من المراجعة مع الذات، والتقى عبدالناصر العاهل السعودى الراحل الملك فيصل وسادت أجواء العالم العربى روح المصالحة خصوصا بعد مؤتمر القمة العربية بالخرطوم فى أغسطس (آب) عام 1967. وتهيأ الجميع لمعركة الثأر ودعمت السعودية والكويت وبعض إمارات الخليج الخزانة المصرية من أجل مشتريات السلاح استعدادا ليوم موعود، وبرحيل عبدالناصر فى سبتمبر (أيلول) 1970 بدأنا نقرأ مشهدا جديدا فى المنطقة ثم كانت حرب أكتوبر (تشرين الأول) عام 1973 التى قاتلت فيها وحدات من جيوش عربية مع الجيشين المصرى والسورى وكان الظهير الأكبر فى تلك الحرب الظافرة هو أيضا العاهل السعودى الراحل الملك فيصل مدعوما بعدد من حكام دول الخليج التى كانت فى بداية عهدها بالسياستين الدولية والإقليمية.
وعندما اعتدل الإعلام العربى كانت النوافذ قد فتحت للإعلام الأجنبى على الجانب الآخر، وهو ما جعلنا نفكر بمنطق دولى أكثر منه منطقا قوميا حتى كانت زيارة الرئيس المصرى الراحل أنور السادات إلى القدس نقطة تحول خطيرة أدت إلى الانقسام الأكبر على الساحة العربية، وجرت مقاطعة القاهرة دبلوماسيا وإعلاميا إلى أن تحولت الأمور بعد ذلك برحيل الرئيس السادات وبداية العودة العربية فى علاقات طبيعية مع مصر عادت بها الجامعة العربية من تونس إلى القاهرة حيث مقرها كما حدده ميثاق إنشائها. ويبقى أمامنا الآن ونحن بصدد الحديث عن مستقبل الإعلام العربى أن نشير إلى الظواهر التالية:
أولا: لقد كنا نتصور أن المطبخ السياسى يستخدم الإعلام كصالون للحوار وتبادل المعلومات بحيث أن ما يتم تجهيزه فى المطبخ يذهب إلى العامة على مائدة الطعام أو فى حجرة الزوار، ولكن الأمر اختلف فى السنوات الأخيرة فأصبحنا نشهد سباقا محموما بين الإعلام والدبلوماسية، ورأينا كيف يقفز الإعلام ليسبق القرار السياسى ويتقدم عليه وكأنه يبشر به أو يستكشف الطريق له وما أكثر المواقف والأزمات التى سبق فيها الإعلام القرار الرسمى وكأنه بالونة اختبار متعمدة أو هو رغبة فى السبق الإعلامى الذى تسعى إليه الأدوات العصرية للإعلام الحالى.
ثانيا: لقد شاع بين الدول العربية منصب وزير الإعلام كمسئول سياسى أمام الحكومات وبذلك ربطت الدول العربية بين الإعلام الرسمى والحر أو غير الرسمى حتى أصبحت الرسالة الإعلامية فى كثير من الدول العربية تحت رقابة شديدة وصلت أحيانا حدا من الصرامة يؤدى إلى حجب المعلومة أو إيقاف الرأى بفعل السيطرة القائمة، لذلك فإن الزعم بأن الإعلام العربى حر هو أمر يجافى الحقيقة إلى حد كبير، ولو أننا نعترف أن السماوات المفتوحة وآليات التواصل الاجتماعى قد ضربت أشكال الرقابة فى مقتل وجعلتها أحيانا هى والعدم سواء، فالمواطن العادى يستطيع أن يحصل على المعلومة الدقيقة إذا أراد ولو من مصادر غير وطنية!
ثالثا: لعلنا لا نختلف كثيرا إذا قلنا إن الإعلام العربى قد اعتمد بدرجة كبيرة على الشعارات الصاخبة والعبارات الرنانة حتى اختلط الإعلام بالإعلان وأصبحت الأنظمة تروج لسياساتها وتبرر أخطاءها من خلال الاحتماء بشعارات قومية أو أفكار وطنية، ولا يقف الأمر عند هذا الحد بل يتجاوزه لتبنى مواقف عكسية عند اللزوم، وقد نجم عن ذلك كله ارتفاع شديد فى تقنيات الإعلام الحديث ووسائل الاتصال العصرية لعل المواطن العربى يجد فيها ما يشبع رغبته فى المعرفة وحرصه على التواصل مع الحقيقة، ولعلنا نقول هنا إن الأمور تتفاوت من دولة لأخرى وفقا لطبيعة النظام السياسى ومساحة الحريات المتاحة بل إن الأمر يختلف من عهد إلى عهد داخل الدولة الواحدة.
رابعا: لقد حسمت وسائل التواصل الاجتماعى الأمر تماما إذ أصبح بمقدور الإنسان الفرد أن يطرح رأيه على كل من يقرأ رسالته المفتوحة ولا توجد قدرة للمنع إلا بإجراءات فنية معقدة، ومن هنا فإننا نقول إن أدوات التواصل الاجتماعى أصبحت تمثل قفزة هائلة فى إطار الإعلام الرسمى والخاص على حد سواء، ولم يعد الإعلام الموجه هو صاحب السيطرة كما كان الأمر منذ عدة عقود، وهنا تكمن المشكلة الحقيقية وكأن وسائل التواصل الاجتماعى قد أصبحت رقيبا على المادة الإعلامية بشكل يؤثر تماما فى الإعلام الموجه فى أى دولة.
خامسا: لقد كانوا يقولون إن الصحافة هى آية هذا الزمان، ونحن نقول بل هى الميديا العصرية بكل تقنياتها وآثارها التى يشعر بها إنسان العصر فى كل مكان، فلقد سبقت الشاشة الصغيرة الصحيفة المقروءة بل إن الصحيفة الإلكترونية سبقت الاثنين معا، وإذا كنا نجادل الآن حول مستقبل الصحيفة الورقية فإننى أزعم أنها سوف تستمر حتى لو تراجعت قليلا، والعبرة تكمن فى العلاقة الحميمة بين القارئ وأوراق الصحيفة ورائحة المطابع التى ارتبطت تاريخيا به.
والملاحظ أن كثيرا من الدول المتقدمة لا تزال تحرص على الصحافة الورقية ولا تتخلى عنها لأنها سجل لحياة الأمم وتاريخ الشعوب، ولهذا فإن الذين يتحدثون حاليا عن الصراع المحسوم بين الصحافة الورقية والصحافة الإلكترونية هم واهمون لأنه لا تناقض بينهما، بل سوف يتعايشان دائما فى الصورة التى تفرضها ظروف المستقبل واحتمالاته المجهولة، ولكن سوف تظل صياغة مقال الرأى تجد مكانها الأكيد فى الصحافة الورقية مهما تغيرت الأمور أو تعددت الأسباب.
إن مستقبل الإعلام العربى مرهون بالدرجة الأولى بالتنامى فى قضية الديمقراطية واتساع مساحة الحريات والإقلال من حجم المحظور وفتح الأبواب والنوافذ أمام الهواء الطلق الذى يأتى بنسائم العصر ويفتح الطريق أمام الأجيال الجديدة، ويجعل المعلومة صحيحة حقا لكل مواطن، ويجعل من حرية الرأى واحدة من المبادئ الأساسية فى الحياة العربية المقبلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *