آراء وتحليلات

من احاديث الذكريات 2

مهندس فايق الخليلي

كان والدي يعمل ضابطا بالقوات المسلحه وكان قد انتقل للعمل في مدينة جبل الطور والتي تسمي الآن طور سيناء وهي عاصمه لمحافظة جنوب سيناء حاليا وكانت الاسره تتكون من والدي ووالدتي وانا واخواي فكري وفايد وخالتي التي تربت معنا وباقي اخوتي في الجامعات وكنت أنا في الصف السادس الابتدائي واخواي أيضا في ابتدائي . وكان الوالد يعمل معاونا لقسم الطور وهذا المنصب بمثابة نائبا للمأمور وفي الواقع كان هو المأمور الفعلي للبلد حيث أنه كان يقيم بها مع الاسره اقامه دائمه ويكون متواجدا بالبلد طوال الشهر وايضا متواجد طوال اليوم بالقسم الذي لايبعد عن منزلنا سوي امتارا قليله وكان لايعود الي المنزل إلا بعد أن يطمئن على أحوال البلد وكان مأمور القسم هو الرئيس الاعلي والحاكم الفعلي لكل المصالح الحكوميه وهو ماكان يتميز به نظام حكم حرس الحدود في المحافظات الحدوديه .

وكنا نقطن في شقه داخل دير الطور المطل علي خليج السويس بالايجار ومجاوره لمنزل القسيس رئيس الدير الاب امنوفيتيس وكان يسكن داخل الدير وحوله خدام وشمامسة الكنيسه ورهبانها وهم من الأقباط الارثوزكس اليونانيين وكان البعض منهم يعمل بالتجارة مثل الخواجه باولو والخواجه انطون وبعضهم يعمل بالصيد بالاضافه الي خدمتهم للكنيسه وكنا العائله المسلمه الوحيده داخل الدير وكانت الاقامه مؤقته الي أن يتم بناء استراحه لمعاون القسم والتي تم الانتهاء من بناءها مع قيام حرب 67 فلم ننتقل إليها . وكان ابونا امنوفيتيس رجلا طيبا مجاملا يحبنا ويحب الناس جميعا وكان الكل يحبه وكان كل سكان الدير أناسا طيبين ودودين . ونظرا لان ابونا امنوفيتيس كان يعيش بمفرده فكانت الوالده رحمة الله عليها ترسل له مما كانت تعده لنا من طعام وكان يحب اكلنا جدا وكان في بعض الأحيان يطلب نوع معين من الاكل وكانت الوالده تقول له حاضر يا ابونا وكان والدي عندما يأتي للغداء بالمنزل يسأل وديتو اكل لابونا ولا لسه وكان احيانا يدعوه لتناول الغداء والعشاء معنا . وذات مره ذهبت له ومعي طبق من الأرز المفلفل اي نصفه محمر ونصفه ابيض ومعه لااذكر سمك او فراخ اوخضار . وكان ابونا يسهر معنا تقريبا كل يوم وإذا به يفاجئ الوالده بسؤال… مدام ظابط ازاي انتي بتحطي رزه حمرا ومعاها رزه بيضا… وكان السؤال مفاجاه للوالده وأخذت تشرح له كيف تفعل ذلك وإذا به ينفجر من الضحك وضحكنا جميعا كان رجلا طيبا لايبغي من الدنيا شئ وكان نعم الجار والاب الروحي للمنطقه ولما كانت والدتي تحب خياطة الملابس فكانت تعرض علي ابونا خدماتها في هذا المجال وفعلا كانت تخيط له احيانا بعض الملابس وفي يوم من الايام جاء لزيارتنا حاملا ماكينة خياطه وقال هذه هديه وقد رفضها الوالد والوالده فاصر ابونا علي اهدائها باصرار . كان رجل دين طيب بشوش وكان إذا مانهرتنا الوالده أو ضربتنا لشقاوتنا كان يدافع عنا ويقول لها مدام ظابط متضربيش الوليد فتقول له اشقياء ياابونا ويقول اولاد ولازم يلعبو وكان يقول لنا اسمع كلام الماما وبلاش شقاوه.. وكان يصحو مبكرا ويتفقد ويطمئن علي احوال الدير وسكانه ويطمئن علي الديك الرومي الذي كان يربيه ويعتبره تسليه له وكان يسميه دندي والذي حزن عليه حزنا شديدا عندما بحث عنه ذات صباح فوجده ميتا بجوار أحد اسوار الدير فوجدناه مهموما وقال لنا الدندي مات مفيش دندي بعد كده فقالت له الوالده نجيب غيره ياابونا. وكان والدي يطمئن علي ابونا كل يوم ويجلس معه ليطمئن عليه وعما إذا كان يحتاج الي اي شيئ .

وكانت كنيسة الدير تقع في منتصفه تقريبا مقابله لمنزلنا وكان لموسم الاعياد للاخوه الأقباط مذاق خاص فكانوا يستعدون له بصنع الشموع والذي كنا نساعدهم في صنعها أنا وأخوتي بصفه مستمره وكان الوالد والوالده يشجعونا علي ذلك وكنا ننتهي منها خلال أيام قبل الأعياد وكنا نحضر معهم القداس ونلف معهم حول الكنيسه ونردد مايقولوه

كرياليسون كرياليسون يارب ارحم يارب ارحم وكانوا هم سعداء بذلك وكنا نحن ايضا سعداء وكان والدي يحضر هذا القداس بصفته الرسميه وكنا نتبادل معهم هدايا العيد من كعك وبسكوت وخلافه .

وكان احيانا يقتطع الوالد جزء من وقته ليفسحنا ونقضي بعض الوقت خارج المدينه سواء في حمام موسي أو الشيخ رايه أو منطقة الغبه وكان جيراننا من الأقباط يرسلوا أولادهم وبناتهم معنا لقضاء اليوم . ومن المواقف التي لاانساها أن زارنا في المدرسه محافظ سيناء اللواء محمد عبدالمنعم القرماني والذي أنا أسكن حاليا بالقرب من المسجد المسمي باسمه في الحي المسمي باسمه بالعريش وعندما زارنا في المدرسه وكان يرافقه ضباط القسم ومنهم والدي وكان يسألنا عن الاسم ثم يسأل سؤالا فقلت اسمي فنظر إلي والدي وقال له ابنك فقال له ايوه يافندم وعندما اجبت اجابه صحيحه وكانت عن السد العالي قال لوالدي بسم الله ماشاءالله ربنا يخلي

واعطاني وغيري مجموعة من الكتب ومن لم يجب عن الاسئله كلها أعطاهم كل واحد كرة قدم فكنا نقول لبعضنا البعض ياريت ماجاوبنا كنا اخدنا كور . معلومه أخري أنه قبل انتقالنا الي الطور كان عبد الوهاب القرماني وكان اسمه الدلع هابي ابن المحافظ معي في فصل واحد بمدرسة الجيل الجديد القديمة .

وموقف اخر لاانساه ذهبت أنا ووالدي الي محل بقالة لأحد الاخوه الأقباط بالطور لشراء بعض الحاجيات وكان يجلس بالدكان صاحب المحل وابنه وكان اسمه جورج في نفس سني تقريبا فقال والدي في سنه كام ابنك ده ياخواجه انطون فقال له أنا طلعته من المدرسه ليساعدني في الدكان فقال له حرام عليك الولد لازم يتعلم وأصدر أوامره بالتحاقه بالصف السادس معي وكان يطمئن والدي عليه بنفسه ويوصي المدرسين بالتركيز معه ليلحق ما فاته من دروس وكان يحضر معي في منزلنا الدروس الخصوصيه ونجحنا ونجح جورج وقامت الحرب ومضي كل منا مع اهله وأسرته الي حيث استقر به المقام ليقابل اخي المرحوم الدكتور فايز أحد الأشخاص مصادفة بالقاهره الذي قال له الاتعرفني يادكتور فايز…

انا الدكتور جورج الذي اعادني والدك الي المدرسه وقد أصبحت الآن طبيبا…

وهناك المزيد من احاديث الذكريات

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *