آراء وتحليلات

أكتوبر .. المعنى والذاكرة من سيناء

 

بقلم / مسعد بدوي 

لأول مرة أتناول أكتوبر من ذاكرتى .. حيث ارتبطت أكتوبر بذكراها معى من خلال تناولها كأخبار وموضوعات من خلال عملى كاعلامى ومراسل صحفى منذ عشرات السنين .. الا أننى أتناولها هذه المرة من حيث ارتباطها معى تاريخيا بالعودة الى هزيمة 1967 التى أدركتنا ( أنا وجيلى ) ونحن في المرحلة الاعدادية .. حيث تم اغلاق المدارس وشردتنا في شوارع مدننا وقرانا لنستنكر ما حدث ( حيث لم نكن ندركه وقتئذ ) وعشنا صيفا طويلا حتى عادت الدراسة ، وقامت المظاهرات الطلابية لرفض الهزيمة وتنحى الرئيس جمال عبد الناصر .

أنهيت دراستى الاعدادية والثانوية والتحقت بالجامعة عام 1971، وهناك أدركت معنى انكسار أجيال كاملة من الطلاب القدامى ، وشاركت معهم في استنكار الهزيمة والمطالبة بالحرب ، وأعلنا استعدادنا للالتحاق بالجيش لتحقيق النصر .. حيث آزرنا الزعيم الراحل السادات باعلان عام الحسم ، ولكنه لم يتحقق .. مما آثار غضبنا الذى لم يستمر طويلا بالافاقة على البيان رقم 1 بعبور قواتنا المسلحة للضفة الشرقية لقناة السويس ورفع العلم المصرى على أرض سيناء ، والذى كان له فعل السحر على كل فرد من الشعب المصرى الذى تشوق لرؤية سيناء وأهلها الذين كانت أقصى معلوماتنا عنهم أن طلابها يدرسون معنا بالجامعة وكما نعتبرهم من الطلاب الوافدين ، وأصبح لحياة كل المصريين معنى آخر من خلال أغانى عبد الحليم حافظ وأم كلثوم وشادية وشريفة فاضل وغيرهم ممن أسعدونا بصوتهم خلال فترة الحرب والعبور وما تلاها من مراحل تحرير سيناء التى توالت منذ عام 1979 حتى عام 1989 بعودة طابا .

وبعودة كل سيناء .. أصبح واجبا علينا احياء ذكرى انتصارات أكتوبر من كل عام لما لها من أفضال على تحقيق النصر وعودة سيناء ، وللحقيقة : أنا شخصيا لم أدرك المعنى الحقيقى لآثار النصر في أكتوبر الا وأنا على أرض سيناء .. حيث تركت أهلى واقامتى بالمنوفية ، وجئت الى سيناء بعد تعيينى بمركز اعلام العريش لأدرك على الطبيعة مغزى النصر العظيم الذى حققته قواتنا المسلحة في أكتوبر ورأيت بأم عينى العلاقة القوية التى تربط بين أبناء سيناء والقوات المسلحة فعشت ناقلا لهذه العلاقة على مر السنوات .

وأصدقكم القول : أننى برغم مولدى ونشأتى الأولى بالمنوفية أرض العظماء والبطولات ورافضة الاحتلال منذ القدم .. مما أدى الى نشر العديد من النكات ضدها .. الا أننى لم أدرك مدى عظمة وفخامة نصر أكتوبر الا على أرض سيناء من خلال الاحتفالات المتتالية بذكريات النصر وتكريم المجاهدين والشهداء عبر الأزمان ، وأدركت كم هى عظيمة سيناء وأهلها .

لقد انطلقت من سيناء لأساير عظمة أكتوبر التى أنشد الكثير في تمجيدها ، وسايرت أبناء سيناء في الاشادة بها ، وكانت أمامى الكثير من الدلائل والأسانيد التى تدعمنى انطلاقا من نصر أكتوبر .. حيث واصلت عملى كمراسل صحفى في نقل كافة مظاهر الاحتفالات بذكرى النصر مدعمة بأوسمة وأنواط المجاهدين ، وعايشت ميادين وأجواء المعارك على أرض سيناء حتى الآن .

وخلال عملى في سيناء أيضا .. ارتبط نصر أكتوبر في ذاكرتى بعام 1981 .. حيث كنا نعمل بنظام الراحة الشهرية ، وتصادف نزولى راحة يوم 6 أكتوبر الى قريتى بالمنوفية ، وعقب وصولى وأثناء تغيير ملابسى من عناء السفر فوجئت ببيان عاجل باستشهاد الرئيس السادات خلال حضوره الاحتفال بذكرى النصر العظيم .. فما كان منى الا اعادة ما نزعته من ملابسى والعودة فورا الى العريش لأنقل أحزان أبناء سيناء على الرئيس السادات في ذكرى النصر ، ويالها من أحداث مؤسفة غطت على أفراح ذكريات النصر في سيناء بستائر من الأحزان .

وخلال عملى بسيناء أيضا ، وفى ذكرى انتصارات أكتوبر .. شاركت زملائى بمراكز الاعلام على مستوى الهيئة العامة للاستعلامات في كافة المحافظات عام 1983 في المسابقة الاعلامية ببحث عن نصر أكتوبر ، وكان ترتيبى الأول على مستوى الجمهورية ، وألقيت كلمتى بالقاهرة أمام الحضور من المسئولين والمشاركين كممثل عن سيناء وأحد أبنائها الذين وعوا وأدركوا حقيقة انتصارات أكتوبر وترجمتها على الورق حتى فازت بالمركز الأول .

ولا زلت أذكر كلماتى في الاحتفال بهذه المناسبة التى بدأتها بكلمات للرئيس الراحل السادات قال فيها : ” هناك أيام في حياة الأمم لا تقاس بوحدات الزمن ، وانما تقدر بوزن ما تفتتحه من آفاق وما تتيحه من آمال وما تلهمه من أفكار وما تهبه من عزائم ، وقد كان يوم 6 أكتوبر 1973 هو ذلك اليوم في حياة مصر وشعبها ( وخاصة سيناء ) ، وفى حياة الأمة العربية ودول العالم .. ” ، وهكذا هى انتصارات حرب أكتوبر في سيناء .. فتأثيراتها مستمرة حتى الآن .

وهكذا تأرجحت ذكريات أكتوبر بين ضلوعى فيما تحمله من ذكريات ما بين سارة ومؤلمة ، وأتمنى أن أشهد المزيد من نتائج وتأثيرات انتصارات حرب أكتوبر وما تفتتحه من آفاق وما تتيحه من آمال وما تلهمه من أفكار وما تهبه من عزائم ، وتكون كلها لصالح مصر عامة .. ولسيناء وأبنائها خاصة .

مسعد بدوي

الصحفي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *