أخبار مصر

سامح الصريطي يروي لـ«الشروق» كواليس لقاء السادات بطلاب عين شمس قبل أيام من حرب أكتوبر

في صورة بالأبيض والأسود تصدرت الصفحة الأولى لعدد جريدة الأخبار الصادر في 28 سبتمبر لعام 1973م، يقف شاب من اتحاد طلبة جامعة عين شمس بجانب الرئيس السادات، خلال اجتماع الرئيس بالطلبة قبل حرب أكتوبر المجيدة بأيام، لم ينتبه أحد أن هذا الشاب هو الفنان القدير سامح السريطي، الذي لم يرو قصة لقاء الطلبة بالسادات لمدة 48 عاما، إلى أن خص الشروق بهذه القصة الفريدة.

فما هو الحديث الذي دار في كواليس لقاء السادات مع الطلبة؟ وهل هيأهم نفسيا للحرب، أم كان يستخدم هذا اللقاء كجزء من خطة خداع استراتيجي، لتنشر صورة الطلبة في الصفحة الأولى وهم يؤكدون أنه لا يوجد حرب؟ هذا ما سنعرفه خلال الحوار التالي..

ولد الفنان سامح الصريطي في 19 مارس لعام 1951م، ولهذا فهو يعتبر نفسه ابن مرحلة الستينات، حيث نشأ وكبر في ظل ثورة يوليو، فكان واحدا من أبناء جيل معجون بحب وطنه، جيل مثقف وقاريء للمشهد السياسي، ويقول الصريطي عن هذه المرحلة للشروق، “كنت كشاب مشتركا في منظمة الشباب، وكنا نحاول خدمة الحي والمجتمع، لأننا تربينا على حب وطننا وحب خدمة الغير”.

كان هناك حركة بناء كبيرة في هذا الوقت، وتنمية محلية جعلت مصر في فترة بسيطة واحدة من أقوى دول العالم.

انكسر هذا الحلم الكبير بنكسة 67، التي قال عنها الصريطي: “كانت أكبر كسرة الواحد شافها في حياته، فقدنا البسمة بعدها، وشيلنا الهم”.

وضع الشعب المصري كل آماله بعد النكسة في الحرب الشاملة التي أعلن عنها عبدالناصر، والتي كان موعدها بعد انتهاء مبادرة روجرز، إلا أن القدر لم يمهل ناصر لأخذ قرار الحرب، ومات قبل تحقيق الحلم.

بعد إعلان الرئيس محمد أنور السادات رئيسا لمصر خلفا لعبدالناصر، التف الشعب حوله إعمالا بمبدأ الوحدة الوطنية، حتى بعدما أعلن مد لفترة مبادرة روجرز، حيث ظن الشعب وقتها أن هذا المد سببه هو إحساس السادات بالمسئولية الكبيرة التي تركها له عبد الناصر.

يقول الصريطي: “عشت فترة وأنا في فصايل خدمة الجبهة التابعة لجامعة عين شمس وسط جيش عاوز يحارب، هما اللي زرعوا جوايا أمل الانتصار في الحرب، كان عندهم قوة غير عادية، ومستنيين يحاربوا النهاردة قبل بكره، عاوزين ياخدوا بتارهم، وده اللي خلاني أعشق الجيش المصري لحد النهاردة، ودي الروح اللي عايشة معايا”.

برز دور اتحاد طلبة عين شمس على الساحة السياسية في هذه الفترة، وأصبحوا هم وقود المظاهرات المطالبة بقرار الحرب، كما أنهم كانوا الأكثر وعيا وثقافة بالنسبة للبقية، ولهذا شعروا بالغضب بعدما أفرج السادات عن الإخوان المسلمين من السجون مبررا ذلك بالحرية.

كما شعر اتحاد طلبة عين شمس بالغضب أيضا بسبب غلاء الأسعار، حيث يقول الصريطي: “فجأة لقينا في حاجة في البلد اسمها شارع الشواربي، ولقينا انه في منتجات استفزازية، يعني إيه جزمة تبقه بـ3 جنيه؟ إيه الغلو ده، انتوا بتخاطبوا مين؟ أغلى جزمة في مصر كانت بجنيه وربع، غير جزمة الكازلاك كانت ب99 قرش، والدولار نط، كان ب37 قرش، أصبح ب68قرش، واللحمة بقت ب85 قرش، والمظاهرات بقت تطلع ضد الغلاء، الناس بقت تقول سيد بيه سيد بيه كيلو اللحمة بقه بجنيه، فكلنا لاحظنا إنه البلد بتتغير وده أغضبنا”.

في 28 سبتمبر من كل عام، كان ينظم اتحاد جامعة عين شمس لقاء ناصر الفكري، الذي كان يقدم لقاءات ساخنة بين المفكرين والسياسيين، ويقدم أطروحات حول تأخير موعد الحرب، وغلاء الأسعار، وذكر الصريطي أنهم بطبيعتهم في هذه المرحلة كشباب، كان يحدث بعض التجاوزات خلال هذه اللقاءات، ولكنهم في نفس الوقت كانوا على قدر كبير من الوعي والثقافة.

في أوائل شهر سبتمبر لعام 1973، وقبل أيام من حرب أكتوبر، تحدث دكتور كمال أبو المجد مع اتحاد طلبة عين شمس، وأقنعهم بلقاء الرئيس السادات، وبالفعل ذهب الاتحاد لمقابلة الرئيس وفي ذهنهم أنهم ذاهبين لمقابلة الرئيس المصنف من أكثر 10 رجال أناقة في العالم، الذي يرتدي كل يوم ملابس مختلفة عن التي قبلها، وليس كعبد الناصر الذي كان يرتدي بذلات عادية مصنوعة من الصوف المحلي، فكانوا يتساءلون مستنفرين، كيف يعيش هذا الرجل الذي لديه شخص وظيفته هي أن يشعل له البايب؟

بدأت عملية تهدئة اتحاد طلاب عين شمس التي كان يخطط لها الرئيس السادات منذ أول خطوة على الطريق، حيث ذهب الطلبة لمقابلته في برج العرب، وأرسل لهم الرئيس على حد قول الصريطي، “أوتوبيس مهكع”، لكي ينقلهم إلى مكان اللقاء بالإسكندرية، وعندما وصلوا، جلسوا في صالون بسيط، مما جعل بعض الطلبة يقولون أن الرئيس يعيش ببساطة مثلهم، وأنه ليس كما يشاع عنه يعيش في ثراء فاحش، بينما قال البعض الآخر، “ما احنا قاعدين في الصالون ده ما شوفناش اللي جوه إيه؟”.

يقول الصريطي إنه عندما وجد الطلبة “صينية” كبيرة عليها مشروبات ذات ألوان متعددة، ظنوا أنهم سيشربون مشروبات من الجنة، فما الذي سيقدمه لهم الرئيس السادات المعروف عنه الثراء؟ ولكنهم فوجئوا بأن ما يقدم لهم هو مياة غازية ملونة، عصير ليمون وسيناكولا، مشيرا إلى عدم حصول كل طالب على زجاجة مياة غازية مستقلة، بل تم تقسيم الزجاجة الواحدة على أكثر من طالب، وكل هذه التصرفات كانت مقدمات لإقناع الطلبة بالخطاب الذي سيلقيه عليهم الرئيس بعد لحظات، وهي أن مصر فقيرة وعلى وشك الإفلاس، ولهذا فهي غير مستعدة للحرب حاليا.

أوضح الصريطي للشروق أن السادات بدأ لقائه مع اتحاد طلاب جامعة عين شمس بالسلام عليهم يدا بيد واحدا تلو الآخر، حتى يضفي جوا من الحميمية بينهم، ثم قام بشرح الأوضاع السياسية الدولية أولا، ثم انتقل لشرح أحوال الوطن العربي، وأخيرا شرح الوضع المحلي.

وأكد الصريطي أنه بالرغم من أن الرئيس كان يستخدم كلمات مثل أولادي وأبنائي خلال اللقاء، إلا أنه كان يشرح لهم الأوضاع وهو يحترم تفكيرهم، لأنه يعلم أنه يجلس أمام عقليات سياسية واعية لما يحدث في مصر.

تحدث الصريطي مع السادات مباشرة خلال هذا الاجتماع حيث روى الصريطي للشروق ما حدث قائلا، “قمت قلت للسادات، كل المجهودات القيمة اللي حضرتك اتكلمت فيها، وحركة البناء الجادة مش واصلالنا ولا واصلة للناس، وقولتله يا فندم بقه في منتجات مستفزة والحاجات اللي بتتقدم في التيفزيون بعيدة عننا تماما وعن إننا بنستعد للمعركة، فرد وقالي يا ابني الناس مخنوقة، خللي الناس تفك شوية”.

وأضاف الصريطي: “قلت للرئيس أنا مش ضد إن الناس تفك بس تفك بجدية، في فرق بين ضحك هزلي وضحك راقي، قالي أصل الناس قعدت فترة طويلة تعبانة، قلتله أنا مع حضرتك وعاوزهم يرتاحوا، بس الناس لازم تبقى عارفة إنه احنا بنضحك لكن داخلين على معركة، ميكونوش يائسين منها، فقالي معاك حق يا ابني معاك حق، طبعا أنا سمعت معاك حق يا ابني، حسيت إني انتصرت وقعدت، مع إنه يعني ما فيش حاجة حصلت”.

قال الصريطي إن اللقاء تم في 3 سبتمبر، أي قبل حرب أكتوبر المجيدة بشهر، ولكن اختار الرئيس السادات أن تتصدر صوره مع اتحاد طلبة جامعة عين شمس في الجرائد، والتي ظهر فيها الصريطي بجانبه، يوم 21 سبتمبر، قبل لقاء ناصر الفكري الذي ينظمه طلبة عين شمس بأقل من أسبوع واحدا، وعلى بعد أيام قليلة من الحرب، وكان هذا لحكمة علمها الصريطي بعد الحرب.

أول عنوان في الصفحة الأولى لجريدة الأخبار بعددها الصادر في 21 سبتمبر لعام 1973، كان يقول: الرئيس يتحدث إلى طلاب جامعة عين شمس، السادات يشرح لأبنائه طبيعة المرحلة وتطورات العمل الوطني داخليا وخارجيا، أسئلة الطلاب تتناول التطبيق الاشتراكي والوحدة العربية والمتغيرات الدولية.

ونشر العدد عدة صورة للرئيس مع الطلبة، ولم يتطرق إلى ما قيل في حقيقة الحوار كما رواه الصريطي، حيث لم ينشر في الجريدة أي مناقشات عن الحرب، أو عن اليأس الذي بثه السادات في نفس الطلاب عن موعدها، بل عرض العدد للشعب المصري أن السادات والطلبة على وفاق، وذلك كجزء من خطة السادات لطمأنة الشعب والطلبة، ولعدم خروج أي مظاهرات من الجامعة قبل موعد حرب 6 أكتوبر.

أكد الصريطي أن محصلة هذا اللقاء بالنسبة لهم كان اليأس من فكرة الحرب بأكملها، ولكنه يتذكر جملة قالها السادات في نهاية اللقاء، مقلدا أسلوب السادات أثناء ذكرها: “أحيانا لما تكون حالة المريض ميئوس منها، بنعمل كده عملية ويا طابت يا اتنين عور”، مشيرا إلى أن الرئيس كان يلمح للطلبة بالأمل، ولكن على حسب وصف الصريطي، “احنا قلنا ده أونطة، بيقولنا كده بس عشان يهدينا”.

نجح السادات في مسعاه، حيث قام بتهدئة الطلبة تماما، وأقيمت فعاليات لقاء ناصر الفكري في موعدها 28 سبتمبر في هدوء شديد دون حدوث أي شيء يذكر، ولم يكن هناك الضدية التي كان يتحدث بها الطلبة عن السادات أو موقفه عن الحرب.

يقول الصريطي: “السادات كان قاصد إنه يقابل اتحاد طلبة جامعة عين شمس قبل الحرب بالذات، لأنه احنا كنا أقوى اتحاد وكنا عاملين قلق، فكان قصده إنه يهدي الجبهة الداخلية، كان خايف إننا نهاجمه في لقاء ناصر الفكري، عشان كان في تجاوزات قبل كده، أو إننا نعمل مظاهرات ونطالب بالحرب، فقابلنا وهدانا، ونجح فعلا في هدفه، ومحصلش مظاهرات”.

في 6 أكتوبر، كان الصريطي وزملاؤه عائدين من الإسكندرية بعد مشاركتهم في المؤتمر الفكري الثوري الوحدوي، وفوجئوا وهم في الطريق بأن مصر أعلنت الحرب، فأصيب الجميع بالدهشة، وبحسب وصف الصريطي، فقد انتاب جسده بالكامل “تنميلة قوية”، ثم دخل في نوبة من البكاء.

ذهب الصريطي وزملاؤه إلى الميادين لعزف الأناشيد الوطنية في الميكروفونات، كما قاموا بتخصيص سيارات للتبرع بالدم، كما أرسلوا برقية تأييد باسم جامعة عين شمس للرئيس السادات لاتخاذه لقرار الحرب.

وذكر الصريطي إن الشعب المصري في يوم 6 أكتوبر شعر بقوة شديدة، وبيقين في النصر، فالجميع كان فرحا بالحرب، لأنهم يقومون الآن باسترداد كرامتهم، قائلا، “المصريين كلهم كانوا واثقين إننا هننتصر، كانوا بيقولوا أيوه احنا كنا صح، احنا أهه، مش احنا اللي انهزمنا بالخديعة في 67، وحسينا بفخر عظيم بجيشنا المصري، كنا مؤمنين بقوة جيشنا، وانتصرنا بالفعل”.

وجه الصريطي في نهاية حديثه للشروق تهنئة للشعب المصري بأعياد أكتوبر المجيدة، قائلا: “أدعو كل أفراد الشعب المصري كما التففنا حول بلدنا لتحقيق نصر أكتوبر، يجب أن نستفاد من تاريخنا، وأن نلتف جميعا حول قيادتنا السياسية برئاسة الرئيس عبدالفتاح السيسي لمواجهة كل من يريد إيقاف حركة التنمية التي تعيشها مصر حاليا، وأنا على ثقة تامة بأن حكمة الرئيس السيسي لن تجعله يتورط في أي معركة تريد السوء بمصر، وأنه سيستننفذ كل ما لديه من مفاوضات وسيمد يده بالسلام، وسيضع الحرب للدفاع عن هذه الأمة العظيمة كخيار أخير بعد استنفاذ جميع المحاولات السلمية”.

بنود مترابطة – 2

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *