آراء وتحليلات

اكتوبر(73) كيف عشنا لحظات الإنتصار

بقلم/ سهام عزالدين جبريل 

تمر السنوات تباعا وتأتي الذكرى العظيمة مع كل عام لتحمل ذلك الزخم من ذكريات سنوات حية فى القلب تركت علامات عظيمة وحفرت في الوجدان القيم الوطنية العليا التي تعلمناها من مدرسة حرب أكتوبر واصبحت منهاج يحتذى به وتقدم تجربة عظيمة للاجيال المتعاقبة بما فيها من قيم البطولة والوطنية والدفاع عن التراب الوطنى واسترداد كافة أراضية وتخليصها من أيدى المغتصب تلك هى العقيدة  التي كانت َمنهاج ذلك العبور العظيم  والتى مازال رحيق الإنتصار وعذوبة ذكرياته عالقة في الوجدان لدى اجيال عاشت تلك اللحظة العظيمة التى قلبت حالنا وحولته من حالة الإنكسار والمعاناة والصبر الى حالة جديدة غيرت حالنا تماما بل مجرى التاريخ فى منطقتنا ،  فتلك  هى اللحظة الفارقة مابين حالة الالم والمعاناة الى حالة النشوة والانتصار  إنها لحظات ذلك االعبورالعظيم  فى يوم السادس من  اكتوبر 73  وكيف عشنا تلك اللحظة العظيمة والتى غيرت حالنا وإعادة رسم خريطة جديدة فى مسرح عمليات منطقة الشرق الوسط ، فمسرح المعركة التي أعدها أبطال العبور العظيم لم يكن بالسهل تجهيزها فقد كان يسبق ذك خطوات عظيمة فمن رحم  نكسة ٦٧ ولد الأمل والإصرار وقويت العزيمة وفي غضون شهور قليلة تم اعادة البناء للجيش المصري وتجهيز جيش العبور ، حيث كانت  المواجهة  التي بدأت بحرب الإستنزاف وانتهت بهذا النصر العظيم حيث تمثل كل خطواتها دروس ومعالم للطريق ،،،

 

فدعونا نقرأ ذلك بتمعن حقيقة  لقد حدث يومها  بركان عظيم ، فلدينا ثلاثة نماذج تكاملت  لتجسد تلك الملحمة الرأئعة تمثلت فى كلا من :

 

جبهة القتال – الجبهة الداخلية – جبهة ماوراء خطوط  العدو-  جبهة الدعم العربى

 

لقد كسبت مصر الحرب عسكريا بإجبار اسرائيل في حرب فجائية وبتطبيق استراتيجية اذهلت العالم في تقنيتها وتنفيذها، لاسيما في الأيام الأولى من الحرب، كما خلقت رأيا عاما عربيا معاديا ومتحفزا في رؤيته للكيان الصهيوني ، ومما لاشك فيه ن نصر أكتوبر هو نقطة مضيئة ناصعة فى تاريخ الشعب المصري والعسكرية المصرية بعد هزيمة 67 التى أحدثت شرخًا كبيرًا فى نفوس الكثيرين داخل مصر وخارجها “لم ينتصر الجيش المصري عسكريًا فقط فى حرب أكتوبر 73، ولم يرد الكرامة للشعب المصري وللشعوب العربية بعبور قناة السويس وتحرير جزء من أرض سيناء، إنما انتصر أيضًا حين استعاد تقاليده الغظيمة كجيش وطني محترف حارب دفاعًا عن الوطن بشرف ونزاهة، وقدم الشهداء الذين روت دماؤهم الزكية أرض سيناء الطاهرة ، الأرض المقدسة والتى شرفت سماؤها وارضها بتجلى المولى عز وجل ،

 

جبهة القتال

 

إن “الطريق إلى أكتوبر بدأ بإعادة بناء الجيش المصري على أسس مهنية منضبطة، أو بالأحرى إعادته إلى تقاليده الأولى التى قام عليها منذ تأسس بصورة حديثة فى عهد محمد علي حيث تم اعادة وبناء الجيش المصرى فى غضون شهور قليلة إبان نكسة 67 ، وبدأ الجيش فى عملياته القتالية بعد أقل من شهرين حيث معركة رأس العش  وتدمير المدمرة ايلات وماتلاها منى عمليات دفاعية حيث بدأت حرب جديدة أطلق عليها اسم «حرب الاستنزاف» هدفها تأكيد صمود الجبهة سواء جبهة المواجهة المباشرة مع العدو او الجبهة الداخلية داخل مصر وعلى أرض سيناء وباقى الاراضى المحتلة

 

الجبهة الداخلية

 

مثلت الجبهة الداخلية التى تمثل المجتمع المصرى فى كافة ارجاء محافظات ومدن وقرى مصر جبهة قوية وظهير داعم لجبهة القتال فكل ابناء مصر كانوا على قلب رجل واحد ولم يخلو بيت مصر من ابن او أخ ـو  اب مقاتل على جبهة القتال فكانت قلوب كل اهل مصر متعلقة بجبهة القتال وارتفع شعار كل المصريين ( لاصوت فوق صوت المعركة ) وكانت مجريات االحياة فى المجتمع المصرى تسير على وتيرة الالتزام والحرص والحفاظ على الامن الداخلى حيث امنته اجهزة وزارة الداخلية المتمثلة فى مراكز الشرطة وموسساتها  ، هذا بالاضافة الى استيعاب المدن المصرية لاعداد المهجرين من محافظات القناة وسيناء حيث تم استيعابها وتسكينهم  فى شتى المحافظات ، كما كان للمرأة المصرية دور عظيم فهى ام المقاتل او اخته اوزوجته أو  ابنتة وحجم الدعم النفسى الذى كانت تمنحة للمرابطين على جبهة القتال هذا الى جانب ذلك  الدور التوعوى والداعم لابنائها على جبهة القتال وحرص المرأة فى الإلتحاق بالعمل التطوعى وخاصة العمل فى  المؤسسات والجمعيات الاهلية وخدمات المستشفيات والزيارات الميدانية للجبهة  وما صاحب  ذلك من اجتهادات وانشطة كثيرة قامت بها نساء مصر على كافة الأصعدة فى تلك الفترة .

 

جبهة ماوراء خطوط  العدو

 

وافصد هنا بهذا المعنى  الجبهة التى كانت تمثل ظهير قوى خلف خطوط العدو وهى الأراضى المحتلة فى سيناء حيث الأهالى الذىين تمسكوا بالارض وتحملوا بطش قوات الإحتلال للحافظ عن سيناء وعدم التغريط بأى ذرة تراب منها ممالا مثلر ذلك معضلة قوية امام قوات الاحتلال  حيث كان الرفض المستمر للاحتلال من خلال اشكال المقاومة والصمود والتصدى وتحدى الكيان الذى يحاول تثبيت أركانه ومحاولات دعاوى التدويل الذى تصدى لها اهل سيناء واعلنوا ذلك فى مختلف الاوساط العالمية ، حيث  شكل الاهالى منظمة سيناء التى  كانت الظهير القوى لقواتنا المسلحة وكانت العيون الراصدة لتحركات العدو داخل الارض المحتلة وتواصلت مع قوات الاستطلاع وجهاز المخابرات الحربية لنقل الصورة كاملة فيما وراء خطوط العدو فكان ذلك مصدر هام  لنقل المعلومات ورصد التحركات لقوات الاحتلال وتصوير ورسم الخرائط واماكن النقاط الاستراتيجية التى تعتمد عليها قوات الاحتلال فى تحركاتها ومصادر التموين ومخازن الذخيرة والمرتكزات الامنية التى تنطلق منها دفاعات العدو داخل سيناء وباقى الأراضى المحتلة  وفى داخل العمق الإسرائيلى حيث مثل ذلك مصدر قوى وهام  لتزويد الجيش المصرى بكافة ماتتطلبه من إحتياجات ومعلومات تخدم الجبهة المصرية المرابطة على الضفة الغربية للقناة  .

 

جبهة الدعم العربى

 

لقد سجل يوم “6 أكتوبر يوم التضامن العربي الذي شهد وقوف العرب صفًا واحدًا خلف ‘الشقيقة الكبرى’ مصر، الأشقاء وقفوا وقفة رجل واحد: السعودية- الكويت- الإمارات- البحرين- عُمان- السودان- الجزائر- تونس- المغرب- ليبيا- اليمن- الأردن- العراق،  فكلٌّ منهم  قدم ما يستطيع، وكان النصر لمصر وللعرب فكان سلاح البترول (الحظر النفطي) ففي أغسطس 1973 قام الرئيس السادات بزيارة سرية للعاصمة السعودية الرياض وإلتقى بالملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود حيث كشف له السادات عن قرار الحرب على إسرائيل إلا أنه لم يخبر الملك فيصل عن موعد الحرب مكتفيا بالقول أن الحرب قريبة. وقد طلب السادات خلال اللقاء أن تقوم السعودية ودول الخليج بوقف ضخ البترول للغرب حال نجاح خطة الهجوم المصرية ، وفي 17 أكتوبر عقد وزراء النفط العرب اجتماعاً في الكويت، تقرر بموجبه خفض إنتاج النفط بواقع 5% شهريا ورفع أسعار النفط من جانب واحد، وفي 19 أكتوبر طلب الرئيس الأمريكي نيكسون من الكونغرس اعتماد 2.2 مليار دولار في مساعدات عاجلة لإسرائيل الأمر الذي أدى لقيام الجزائر والعراق والمملكة العربية السعودية وليبيا والإمارات العربية المتحدة ودول عربية أخرى لإعلان حظر على الصادرات النفطية إلى الولايات المتحدة، مما خلق أزمة طاقة في الولايات المتحدة الأمريكية،

 

الجبهة المصرية صبا ح 6 اكتوبر 73

 

حشدت مصر 300,000 جندي في القوات البرية والجوية والبحرية. وتألفت التشكيلات الأساسية للقوات البرية من 5 فرق مشاة و3 فرق مشاة آلية وفرقتين مدرعتين إضافة إلى لواءان مدرعان مستقلان و4 ألوية مشاة مستقلة و3 ألوية مظليين مستقلة. وكانت خطة الهجوم المصرية تعتمد على دفع 5 فرق مشاة لإقتحام خط بارليف في 5 نقاط مختلفة واحتلال رؤس كبارى بعمق من 10-12 كم وهي المسافة المؤمنة من قبل مظلة الدفاع الجوي في حين تبقى فرقتان مدرعتان وفرقتان ميكانيكيتان غرب القناة كاحتياطي تعبوي فيما تبقى باقى القوات في القاهرة بتصرف القيادة العامة كاحتياطي استراتيجي. القوات الجوية المصرية تمتلك 305 طائرة مقاتلة وبإضافة طائرات التدريب يرتفع هذا العدد إلى 400 طائرة. مروحيات القوة الجوية تتألف من 140 طائرة مروحية فيما تمتلك قوات الدفاع الجوي نحو 150 كتيبة صواريخ أرض-جو. القوات البحرية المصرية تمتلك 12 غواصة و5 مدمرات 3 فرقطات 17 زورق صواريخ 14 كاسحة ألغام، وبالرغم من أن البحرية المصرية لم تشترك في الحرب بشكل مباشر إلا أنها فرضت حصارا بحريا على إسرائيل عبر إغلاق مضيق باب المندب بوجه الملاحة الإسرائيلية.

 

كبف أنتهت الحرب

 

بالتأكيد لكل معركة نهاية ، وقد انتهت حرب اكتوبر 73بتدخل مجلس الامن يوم 22 أكتوبر حيث  تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة وتم إصدار القرار رقم 338 الذي يقضي بوقف جميع الأعمال الحربية بدءاً من يوم 22 أكتوبر عام 1973م. وقبلت مصر بالقرار ونفذته اعتبارا من مساء نفس اليوم إلا أن القوات الإسرائيلية خرقت وقف إطلاق النار، فأصدر مجلس الأمن الدولي قرارا آخر يوم 23 أكتوبر يلزم جميع الأطراف بوقف إطلاق النار جبث انتهت الحرب رسميا بالتوقيع على اتفاقية فك الاشتباك في 31 مايو 1974 حيث وافقت إسرائيل على إعادة مدينة القنيطرة لسوريا وضفة قناة السويس الشرقية لمصر مقابل إبعاد القوات المصرية والسورية من خط الهدنة وتأسيس قوة خاصة للأمم المتحدة لمراقبة تحقيق الاتفاقية.

 

أهم نتائج الحرب

 

بالتأكيد إن  المعارك التى تخوضها الجيوش تبرز تداعياتها بنتائج  تحسب مكاسبها  فى الحسابات العسكرية والإستراتيجية  للدول  وتضعها فى موازين القوى والمكانة التى تليق بها إقليميا وعالميا وترفع من القوى الشاملة للدولة المنتصرة  وهذا ماحققته مصر بإنتصارها فى اكتوبر 73 فقد اعيدت لمصر مكانتها على كافة المحافل الدولية والاقليمية واحدث أصداء عالمية وترحيب من القوى المحبة للسلام ، خاصة ان الحرب كانت هدفها النبيل هو استرداد الارض المغتصية  حيث سجلت  أهم نتائج الحرب إسترداد السيادة الكاملة على قناة السويس، وإسترداد جميع الأراضي في شبه جزيرة سيناء. كما أن الجبهة السورية استطاعت إسترداد جزء من مرتفعات الجولان السورية بما فيها مدينة القنيطرة وعودتها للسيادة السورية. ومن النتائج الأخرى الهامة هو تحطم أسطورة أن جيش إسرائيل لا يقهر والتي كان يقول بها القادة العسكريون في إسرائيل، كما أدت الحرب أيضا إلى عودة الملاحة في قناة السويس في يونيو 1975م.

 

كما أن هذه الحرب مهدت الطريق لاتفاق كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل والتي عقدت في سبتمبر 1978م على إثر مبادرة أنور السادات التاريخية في نوفمبر 1977م وزيارته للقدس، التى ترجمت دور مصر فى تأسيسس اطر السلام فى المنطقة والسعى لتحقيقها من منطلق قوة المفاوض المحارب المنتصر .

 

واليوم ونحن نخوض معركة البناء والإنطلاق بمصر نحو المستقبل تحت قيادة السيد الرئيس عبد الفتاح السيسى إبن من أبناء مصر العظيمة  وقيادة وطنية واعية  تتلمذت على أيدى أبطال اكتوبروالعبور العظيم ،  فما أحوجنا اليوم لروح أكتوبر ورجال كرجال أكتوبر وتسليح شبابنا بقيم وروح اكتوبر حتى ننطلق نحو الغد المشرق  بخطى قوية ثابته لعبور جديد لأفاق المستقبل الذى ينرجم القوى الشاملة للدولة المصرية  ويعظم قيمة مصر كدولة محورية فى الخريطة الدولية ومكانتها العالمية والاقليمية .

 

خالص تحياتى : سهام عزالدين جبريل

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *