المجتمع

حكايات المراهقين وتحدّيات جديدة للدكتوره رحاب ابراهيم المستشار ه الاسريه

 

هناء السيد

 

إبتكر واربح !
كانت آنا في العاشرة من عمرها عندما صممت أول فيديو لها على لعبة روبلكس,
وهو الموقع الذي يتيح للصغار مشاركة غيرهم من الأطفال على بعد ملايين الاميال للعب معا.
عن طريقه تعلمت آنا مباديء البرمجة وتصميم الألعاب ,فكانت نادرا ما تترك جهاز الكمبيوتر الخاص بها إلا للذهاب للمدرسة أو النوم.
مع تطور قدراتها جذبت آنا انتباه مصممي ألعاب محترفين على الموقع
فقاموا بمراسلتها من أجل عمل بعض التصميمات الصغيرة.
أبدت آنا مهارة ملحوظة جعلتها خلال فترة قصيرة أحد خمس أعضاء مسؤلين عن تطوير الجزء الفني والتصميم وبرمجة اللعبة.
في البداية لم تسع آنا للربح المادي فقد كان كل ما تفعله بدافع شغفها الشديد باللعبة , لكن من خلال مقابلة عبر تطبيق سكايب عرضوا عليها 10% من قيمة كل تطوير تقدمه.
كان عرضا كريما جعل الفتاة في سن السادسة عشرة تربح شهريا أكثر مما يربحه والديها مجتمعين
استطاعت في سن الرابعة عشرة أن تجني سنويا حوالي 300 ألف دولار, بما يعادل راتب أحد مبرمجي جوجل المحترفين.
على هذا الأساس ألغت آنا خطتها للالتحاق بالجامعة.
اللعبة التي تم إطلاقها سنة 2006 كانت تحثّ الصغار على ابتكار تصميمات جديدة مقابل حوافز بسيطة.
لكن الموضوع مالبث ان تطور حتى أصبحت الشركة تسوق لنفسها أنها وسيلة لجني المال للصغار عن طريق الابتكار فكان الشعار:
ابتكر شيئا , وصل فكرتك للملايين واربح مالا حقيقيا!
منذ اللحظة التي التحقت فيها آنا بالعمل وطول الوقت الذي استمرته معهم من 2016 الى 2018 كانت تشعر أنها جزء من التطور
شاركت في كل شيء من التصميم الموسيقي والفني والبرمجة وتقنيات الصوت والرموز ثلاثية الأبعاد
كانت تشعر أن مهاراتها لا تقدر بثمن وهكذا تدرجت من رسام هاو إلى مطور ألعاب محترف
بالرغم من ذلك لم توقع آنا عقد عمل والذي بالطبع كان ليتطلب موافقة ولي الأمر
على أي حال كانت آنا فعليا جزءا من مشروع بلغت قيمة استثماراته في ذلك الوقت 2 مليون دولار.
كانت الأمور المالية تدار من طرف واحد هو المسؤلين عن اللعبة بالطبع ولم يتصل بها أحد للدعم أو التفاهم حول أي أمر
حتى جاء اليوم الذي اتصل بها أحدهم لإخبارها بتغيير سياسة الدفع فبدلا من النسبة المتحركة أصبح مقررا لها راتبا ثابتا مما يعني انخفاض قيمة ما تحصل عليه بنسبة 40% تقريبا
وقعت في حالة إحباط شديد إذ لم يكن لديها ما تفعله .

اقترحت جدتها أن ترفع قضية ضد مسؤلي اللعبة لكن آنا لم يكن لديها أي وثائق كما انها خشيت من أن قضية مثل تلك سوف تقضي على جميع مدخراتها.
بحسب ما ذكرته صحيفة الجارديان*, فإن الأطفال غالبا ما يبدأون اللعبة في سن السادسة..وأولئك الذين يظهرون نبوغا في التصميم والبرمجة والتطوير يتم توظيفهم في سن الثانية عشرة حيث يضطرون للعمل ساعات طويلة تحت تهديد دائم بأن يتم استبدالهم إن لم يقدموا ما هو كاف من العمل
ولأن هذه تجربتهم الأولى في العمل كجزء من فريق يتعرض الصغار للعديد من صور الإساءة سواء ابتزاز أو تحرش أو استغلال مادي ,بالإضافة للمشاكل الصحية – خاصة ما يتعلق بالبصر- الناتجة عن الجلوس أمام جهاز الكمبيوتر لفترات طويلة.
حاولت آنا الرجوع للدراسة في الجامعة والتحقت بالفعل بكلية علوم الحاسب ولكنها تركتها بعد الفصل الدراسي الأول حين وجدت المعلومات التي تدرّس بدائية جدا بالنسبة لما تعرفه.
عادت مرة أخرى للعمل في روبلكس!
تقول “الآن أدرك إلى أي مدى تورطت في علاقة سامة أخذت مني الكثير من السنوات وأثرت على قوة الإبصار لدي لكني لا أملك التراجع..
مشروعاتي الأخيرة تتسم بالتخبط..أتمنى أن أنجز عملا مكتملا مثل السابق وبعدها أستطيع الابتعاد”

نقود افتراضية
جوستاف سلطاني شاب اندونيسي يبلغ من العمر 22 عاما , بدأ منذ سن السابعة عشرة في التقاط صورة سيلفي له يوميا أمام جهاز الكمبيوتر الخاص به
جمع منها 1000 صورة كلها تحمل نفس التعبير..
كان الغرض منها استخدامها في فيديو مجمّع يعرضه يوم تخرجه.
لكنه قرر تحويل هذه الصور لعناصر NFT أي عناصر رقمية مميزة يمكن بيعها .
وعرضها للبيع في منصة إلكترونية الواحدة ب 3 دولارات
في البداية لم تلفت الصور نظر الكثيرين , ولكن حدث أن اتشرى بعضها شيف إندونيسي شهيروشاركها على حسابه ,فأصبح الإقبال عليها شديدا حتى وصل
سعر الصورة الى 3000 دولار
باع جوستاف منها 500 صورة ليجني حوالي مليون ومائتي ألف دولار!
وبدأت مطالبات الحكومة له بتسديد الضرائب اللازمة عبر إرسالهم تغريده له على حسابه يهنئونه فيها ويحثونه على الدفع.
يقول جوستاف إنه لايدري بعد كيف يخبر أسرته عن هذا المال ومن أين اكتسبه.

هذه مسارات جديدة لصناعة الثروة اختص بها الجيل الجديد والذي ربما نستطيع تسميته بالجيل الرقمي .
في الماضي كانت التجارة هي أداة لتبادل المنفعة .. بدأها الإنسان بنظام المقايضة أي تبادل السلع حيث لا يوجد مجتمع يستطيع الاكتفاء ذاتيا دون مشاركة غيره من المجتمعات..
ثم تطور الأمر ليتم استبدال إحدى السلعتين بالأوراق والعملات المالية لسهولة التخزين والحركة, لكنها في الوقت نفسه أتاحت للحكومات سلطة تقييد وتقييم هذه العملات ,وظهر على أساسها نظاما طبقيا يرتبط بالسياسة ربما أكثر من ارتباطه بالاقتصاد الفعلي.
الآن تحتل العملات الرقمية مساحة كبيرة من التداول, فرضت نفسها وتحررت من سيطرة الحكومات أو الخضوع للبنوك المركزية ,وبات من الممكن استبدالها بسلع أو تحويلها لنقود حقيقية حيث الثراء هنا غير مرتبط بالقيمة أي بإضافة حقيقية للمجتمع .. مجرد سلسلة مترابطة من العمليات المعقدة والرموز المشفرة.

وأصبح من المألوف حين تسأل طفلا صغيرا عما يود عمله في المستقبل أن يرد عليك : بلوجر أو يوتيوبر أو إنلفونسر …هذه المهن التي تقتات على الاستهلاك الافتراضي… استهلاك افكار ووقت وطاقة .

 

 

خطر الانطفاء المبكر …أو burnout
ربما يعتبرها البعض مبالغة, ولكنني ممن يرون أن تصوير الأطفال في فيديوهات وعرضها على الملأ أو إشراكهم في مسابقات المواهب وتعريضهم لضغط المنافسة مبكرا حيث المنافسة لا تعتمد على اجتهاد مثلا كمباريات الرياضة أو المسابقات العلمية وإنما تعتمد على سمات شخصية وقبول الجمهور كل هذا أراه إساءة للأطفال
Child abuse
من هنا ظهر مصطلح burn out

أو الانطفاء
وحتى من قبل انتشار المصطلح عايشنا الكثير من الأطفال الذين لمع نجمهم في الفن في مرحلة عمرية صغيرة وقرأنا عما أصاب العديد منهم من مشاكل نفسية وجسدية وسلوكية .
البعض توقف في الوقت المناسب والبعض انجرف في تيار لا رجعة منه..
يعرض فيلم “الملك ريتشارد “القصة الحقيقية لظهور نجمتين لامعتين في رياضة التنس هما فينوس وسيرينا ويليامز
ودور والديهما وبخاصة الأب ريتشارد في تنمية قدراتهما والحفاظ عليهما من أن تبتلعهما الهوة الضخمة للمنظومة الاقتصادية والاعلامية الخاصة بالرياضة.
ينجح الأب اخيرا في إيجاد مدرب يتبنى موهبتهما وفي الوقت نفسه يصر على إكمال دراستهما رافضا تماما أن تشتركا في بطولات الناشئين ..قائلا انه من الممكن تحقيق مكسب وشهرة كبيرة في سن الرابعة عشرة ولكن أن يصل المرء لسن الثامنة عشرة بلا تعليم هو أمر غاية في السوء يعد بفشل مستقبلي كبير.
يتطرق الفيلم أيضا لمشاكل السود ورغبة الأب الذي يعاني من المهانة في أن يجعل مستقبل هذه الأسرة مختلفا كليا لدرجة أن يخطط لبنتيه حياتهما من قبل ميلادهما ليجعل منهما أيقونة وعلامة مضيئة تشجع الكثير من الفتيات الصغيرات على تحدي الصعاب والوصول لمكانة مرموقة في الحياة.
عمل ريتشارد على تطوير شخصيات بناته جنبا إلى جنب مع تطوير مهاراتهما الرياضية
ظهر نجاحه واضحا بعد أن رفضت فينوس عقدا للاحتكار بقيمة ثلاثة مليون دولار وهو ما كان مبلغا مذهلا في ذلك الوقت لتعود بعدها بفترة قصيرة وتحصل على عقد بقيمة 12 مليون دولار .
على عكس فيلم الملك ريتشارد يحكي فيلم “وداعا كريستوفر روبن “قصة حقيقية عن الكاتب آلان أكسندر ميلن مبتكر شخصية ويني ذا بو ,والذي استوحاها من خلال طفله الصغير بيلي.
يعرض الفيلم الجانب المأساوي من الحكاية ,حين أراد الوالدان استثمار شهرة الشخصية والكتاب فأقحما طفلهما الصغير في حفلات ومقابلات صحفية حتى أصبح مشهورا
هذه الشهرة التي جلبت له غيرة وتنمر أصدقائه ووهبته حياة تعيسة على عكس ما يعتقد الكثيرون
في حوار مأساوي يواجه الابن أباه بعد ما كبر قائلا إنه فقط كان يلعب مع أبيه ..كان يرغب في هذا الوقت الحميمي الدافيء معه, في حين أن الأب كان يستعمله لنيل المال والشهرة.
ربما يحق لنا أن نتساءل عن مصير العديد من الأطفال الذين يحرص أهلهم على تصوير فيديوهات لهم ونشرها ,ماذا سيكون رد فعلهم تجاه تلك الفيديوهات عندما يكبرون ؟وكيف يعطي شخص ما لنفسه الحق في انتهاك خصوصية طفله وهو يلعب أو يغني أو يذهب لمدرسته ويلقي النكات بعفوية ينتهك تلك الخصوصية ليعرضها على الملأ بلا حق حتى وإن كان والده!
وهل تؤثر هذه المقاطع على سلوكياتهم واختياراتهم ومسارات حياتهم مستقبلا ؟

*

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *