آراء وتحليلات

هل يعتبر حصار غزة هجوما على المدنيين ؟

د. السيد مرسي

فيما سبق تناولنا الالتزامات القانونية التي تقع على عاتق قوة الاحتلال الإسرائيلي من خلال المواثيق الدولية المتعلقة بحماية الأشخاص المدنيين في أوقات النزاع المسلح ، والان سنتناول الحصار القائم على قطاع غزة وبداخله 2.3 مليون إنسان تحت القصف المتواصل والعشوائي – مع عدم وجود ملاجئ آمنة-بما يعنى مزيداً من القتلى والجرحى دون مرافق أو خدمات للموتى ولا الأحياء.
وهنا يثور التساؤل التالى: ما مدى قانونية فرض حصار على قطاع غزة وما بها من مدنيين وأغلبهم من النساء والأطفال؟
والاجابة على هذا التساؤل : وفقًا لما جاء بالقانون الدولي الإنساني، وعلى لسان المفوضية العليا لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، فإن فرض الحصار والذي من شأنه تهديد حياة المدنيين بحرمانهم من السلع والخدمات الأساسية الضرورية لبقائهم على قيد الحياة هو أمر مخالف للقانون الدولي الإنساني، وما لم يكن هناك ضرورة عسكرية تبرره، فإنه يصنف أحد مظاهر العقاب الجماعي والذي تجرمه اتفاقية جنيف للقانون الدولي في البروتوكول الثالث في المادة 87 والبروتوكول الرابع في المادة 33 وملحقها في المادة 50، والقاعدة رقم 103 من القانون الدولي الإنساني العرفي، كما أنها أشارت إلى أن فرض قيود على حركة الأفراد والبضائع الذي من شأنه تهديد حياة المدنيين هو أمر محظور بموجب القانون الدولي، وهذه الممارسات مشروعة في حالات النزاعات المسلحة وذلك تجاه العسكريين فقط، و القانون الدولي الإنساني يمنع ممارسات التجويع ضد المدنيين. و هذا المبدأ جاء واضحا بجلاء في معاهدة جنيف، إلا أن هذه الصياغة كانت غامضة وهذا ما سمح للأطراف التي تفرض الحصار باستغلال هذه الثغرة، لأن النص القانوني يمنع التجويع ولكنه لا يحظر الحصار نفسه، كما أنه لا يضم أيضاً التجويع كنتيجة مستقبلية –وليس فعلاً متعمداً– خاصة وأنه يتزامن مع قصف للمناطق المحاصرة من أسواق تجارية وبنية تحتية ضرورية لاستمرار الحياة وقطع المياه.
وهذا يشكل عبئاً آخر على القانون الدولي الإنساني وهو ضرورة الحصول على الإذن من أي من الأطراف ذات المصلحة للسماح لبعثات الإغاثة الإنسانية ، إضافة إلى أن “دليل أوكسفورد” لعمليات الإغاثة الإنسانية في حالات النزاعات المسلحة يصف الامتناع عن السماح بإدخال المساعدات الإنسانية بأنه أمر تعسفي، في حالة انتهاك الدولة لالتزاماتها تجاه المدنيين أمام القانون الدولي ، كما أن الحصار المفروض على غزة الآن، جاء بناء على توجيهات الحكومة الإسرائيلية ضد المدنيين وفى ذلك إدانة مباشرة بارتكاب جريمة “تجويع” بحق مدنيين دون تمييز. وذلك لأن الحصار المشروع بالمعني العسكري والقانوني وفقاً للقانون الدولي الإنساني، يجب أن يكون موجهاً لمسلحين في بقعة ما بهدف إجبارهم على الاستسلام، وهو أمر يختلف تماماً عن مفهوم تجويع المدنيين الذي لا يميز بينهم وبين المسلحين ويهدف إلى القضاء على البشر تماماً، وهو ما يظهر جلياً في تهديد حكومة إسرائيل ، وإزالة احياء بكاملها من قطاع غزة وهذا بمثابة إبادة جماعية بحق شعب بعينه ، بموجب القانون الدولى .
الإبادة الجماعية (Genocide) وهى جريمة قانونية والتي تعرف بأنها عبارة عن : ارتكاب أي عمل من الأعمال الآتية بقصد الإبادة الكلية أو الجزئية، لجماعة ما على أساس القومية أو العرق أو الجنس أو الدين، مثل:-
أ- قتل أعضاء الجماعة. ، ب- إلحاق الأذى الجسدي أو النفسي الخطير بأعضاء الجماعة ، ج- إلحاق الأضرار بالأوضاع المعيشية للجماعة بشكل متعمد بهدف التدمير الفعلي للجماعة كلياً أو جزئياً، منها الحرمان من الحصول على الطعام والدواء لإهلاك السكان.
وهنا لدينا تساؤل أخير و جوهري : هل يعتبر الحصار في حد ذاته هجوما على المدنيين ؟
الإجابة على هذا التساؤل : نعم وذلك من خلال ما جاء بالمادة 49 من البروتوكول الإضافي الأول «الهجمات» في نطاق واسع ومرن بالقدر الكافي الذي يتضمن الحصار. فهي تُعرف «الهجمات» بأنها أعمال العنف ضد الخصم سواءً كانت هجومية أو دفاعية. فكيف لا يمكن اعتبار تجويع المدنيين عملًا من أعمال العنف؟
وبالقدر الذي يعتبر فيه الحصار العسكري أحد أساليب الحرب، أو مزيج من عدة أساليب حربية (القصف والتجويع) تطبق القواعد والمبادئ المتصلة بسير الأعمال العدائية. وكما شدد المؤلف جيمس كراسكا فإن الحصار ينطوي ضمنًا على مبدأي التمييز والتناسب في قانون النزاع المسلح، و يرى شون واتس أن اتخاذ الاحتياطات اللازمة للاحتراز من وقوع ضرر فادح بشكل عرضي يُعد أمرًا بالغ الأهمية أثناء عمليات الحصار العسكري ، في ظل فرض حصارٍ بمنع الإمدادات، والذي يتشابه مع الحصار العسكري، لا أحد يتساءل عن أهمية مبدأ التناسب، وهذا ما تناوله دليل سان ريمو (الفقرة 102 ب) ودليل القانون الدولي المطبق في الحرب الجوية وحرب الصواريخ (الفقرة 157ب).
• راجع : بعض من هذا النص في الأصل بالإنجليزية في مدونة المجلة الأوروبية للقانون الدولي: توك! ضمن سلسلة كتابات مشتركة مع مدونة القانون الإنساني والسياسات حول القانون الدولي والنزاع المسلح. والى لقاء : دكتور : السيد مرسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *