أخبار مصر

نبيل فهمي يكتب: رسائل أمريكية قاصرة لإنهاء الاقتتال في غزة

أجرى وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن أخيرا زيارة إلى اليونان وتركيا ومن بعدها إلى الأردن والسعودية والإمارات وقطر ومصر والضفة الغربية، إضافة إلى إسرائيل، لتناول مواضيع عدة من ضمنها أمن البحر الأبيض والمشرق وليبيا فيما يتعلق بتركيا واليونان، وبالنسبة إلى البقية كانت الأولوية الأمريكية السعى إلى تجنب اتساع أحداث غزة إلى ساحات أخرى، وعلى رأسها الدول المجاورة لإسرائيل، خصوصا مصر والأردن، أو التصعيد مع إيران فى لبنان وسوريا، كما كان أمن البحر الأحمر محل اهتمام رئيس مع السعودية، المتحاورة مع إيران أخيرا وباعتبارها رئيسة القمة العربية.
لدى الولايات المتحدة قناعة وثقة بأن مصر والأردن ملتزمان باتفاقات السلام مع إسرائيل، إلا أن هناك قلقا أمريكيا من أن يضع تطرف بعض أعضاء الحكومة الإسرائيلية ودعوتهم إلى التهجير القسرى للفلسطينيين الترتيبات بين الدولتين وإسرائيل على المحك، باعتبار أن المساس بأمنهما القومى نقطة فارقة للدولتين العربيتين، جعلتهما تعلنان أن الأمن القومى يشكل خطا أحمر، بل صرح وزير الخارجية الأردنى بأن ذلك سيفرغ اتفاق السلام من مضمونه، لذا كرر بلينكن مجددا خلال جولته رفض بلاده للتهجير القسرى وأكد وجوب عودة فلسطينيى غزة إلى ديارهم عندما تتوافر الظروف الآمنة لذلك.
وغنى عن التنويه أن تداعيات الضغوط وتكدس المهجرين قسريا قرب معبر رفح وتكرار العمليات العسكرية الإسرائيلية على محور فيلادلفيا تشكل مصدر قلق خاص لمصر التى حذرت مجددا من أن أى مساس بالترتيبات الأمنية الحدودية يشكل تهديدا لأمنها القومى.
والمرتبة الثانية فى الأولويات الأمريكية مع إسرائيل كانت محاولة التوصل إلى اتفاق على أسلوب تطوير العمليات العسكرية الإسرائيلية، بحيث تظل مؤثرة وضاغطة على حركة «حماس»، وإنما مع خفض معدلات الخسائر الإنسانية والمادية لدى المدنيين الفلسطينيين التى أثارت الرأى العام فى مختلف أنحاء العالم، وأفقدت إسرائيل تعاطف الأصدقاء معها عقب أحداث السابع من أكتوبر الماضى، وشكلت مصدر انتقادات شديدة لتل أبيب وواشنطن وكسرت توافق الآراء بين الدول الغربية المؤيدة بصورة عامة لإسرائيل.
وبالنسبة إلى الاتصالات مع الدول العربية، ففى المرتبة الثانية من الأولويات يقع موضوع التوصل إلى اتفاق للإفراج عن الأسرى لدى الفلسطينيين فى غزة وما يرتبط به من المحتجزين الفلسطينيين فى السجون الإسرائيلية، باعتبار أن إسرائيل لن تتحرك سياسيا أو توقف أو تخفف عملياتها العسكرية جذريا من دون الإفراج عن الرهائن، ومن الطبيعى أن يكون هناك اهتمام خاص بهذا الموضوع خلال المحادثات مع مصر وقطر باعتبارهما وسيطين نشطين منذ بداية الأحداث الأخيرة.
وبالتوازى مع جهود الإفراج عن الرهائن هناك مساعٍ أمريكية لجس نبض الدول العربية حول أسلوب إدارة غزة والتعامل مع «حماس» بعد الوصول إلى وقف إطلاق النار، على أمل التوصل إلى تفاهمات عربية ومشاركة بعضها فى الإدارة المستقبلية للقطاع، فى الجوانب الأمنية فى ضوء طلبات متصاعدة لإسرائيل، وكذلك إداريا وإنسانيا وماليا، لمحاولة العودة إلى أوضاع شبه طبيعية بعد القتل والتدمير اللذين شهدناهما.
خلال الأسابيع الأخيرة انتشرت الاتصالات الأمريكية والغربية الرسمية وغير الرسمية عبر مراكز البحث لمناقشة اقتراحات مختلفة حول ترتيبات ما بعد وقف العمليات العسكرية الإسرائيلية، دعيت شخصيا إلى بعضها إلا أننى انسحبت مما لم أرَه ملائما لتجاهله أن الأولوية يجب أن تكون لوقف إطلاق النار وأن الاحتلال هو أصل المشكلة، وتتواصل الدعوات فى هذا الصدد.
كما طرح وزير الدفاع الإسرائيلى أفكارا تفترض استمرار السيطرة الأمنية الإسرائيلية على غزة وتؤمن حقها فى التدخل الأحادى بحسب الحاجة، وتشير إلى إدارة فلسطينية محدودة للقطاع ومسئوليات مهمة لدول عربية، خصوصا مصر باعتبارها دولة الجوار المباشرة، مما أثار من جانب حفيظة التيار المتطرف فى الحكومة الإسرائيلية الذى رأى فيها تنازلات لا تحقق الأمن ومن جانب آخر لم تلقَ ترحيبا من قبل العرب الرافضين استعادة إسرائيل السيطرة على غزة.
وقبل وصول وزير الخارجية الأمريكى بأيام قليلة اغتالت إسرائيل القيادى الحمساوى صالح العارورى فى ضاحية بيروتية تحت سيطرة «حزب الله»، وخلال الجولة أعلنت عن قتل أحد قيادات الحزب، مما زاد من التوترات الإقليمية وصعب مهمة وزير الخارجية، وعطل مؤقتا الوساطة المصرية ــ القطرية فى مسألة الإفراج عن الأسرى والمحتجزين.
أعتقد بأن إسرائيل قامت بهذه الاغتيالات فى المقام الأول لاعتبارات سياسية داخلية وإثبات الذات للرأى العام الإسرائيلى، واستعادة هيبة القوى واليد الحديدية الإسرائيلية إقليميا بعد صدمة السابع من أكتوبر، خصوصا أن الأوضاع فى قطاع غزة لم تحسم لمصلحتها حتى الآن.
وفى الوقت نفسه أعتقد أيضا بأن إسرائيل اتخذت هذه الخطوة التصعيدية لقناعتها بأن رد فعل الأطراف الإقليمية إذا وجب سيكون محكوما وتستطيع تحمله، وأن التصعيد المحكوم يخدمها ويوحى مرة أخرى أنها مهددة فى المنطقة، مما يسهل تأمين دعم أمريكى مادى وعسكرى وسياسى متواصل، وكذلك تأييد بعض الدول الغربية، للتصدى للضغوط الدولية المتزايدة لمصلحة وقف إطلاق نار كامل فى قطاع غزة.
أؤمن بأهمية التوصل إلى سلام عربى ــ إسرائيلى كامل وشامل، بما يسهل من جهود المنطقة فى بناء مستقبل أفضل وآمن، يتم فيه استثمار خيرات المنطقة الإنسانية والمادية لتحقيق الطموحات المشروعة لشعوب المنطقة التى تتجاوز نسبة الشباب فيها 65 فى المائة، وسلام وازدهار على أساس العدالة واحترام القانون وكفاءة النظم الاقتصادية إنتاجيا وتوزيعا، أمور لن تتحقق أو تستقر إلا باحترام قوة القانون وفلسفته على حساب تجاوزات قانون القوة وتداعياتها.
وأشدد على ذلك لشعورى بأن الجهد الأمريكى الحالى ينبنى على حجة واهية وقاصرة بأن الواقعية السياسية يجب أن تدفع العرب حصريا إلى القبول بالحاجات الإسرائيلية الأمنية المترتبة على أحداث السابع من أكتوبر، فى حين يغفل الحق الفلسطينى المسلوب منذ أكثر من 70 عاما، وتُعفى إسرائيل من مسئولياتها فى الأحداث الجسيمة التى تعرض لها أهل غزة، لذا انصبت الاقتراحات الأمريكية كافة على ترتيبات فنية عملياتية لتهدئة القلق الإسرائيلى الأمنى ومراعاة التركيبة السياسية الإسرائيلية، فى حين جاءت معالجة الأوضاع الفلسطينية من زاوية إنسانية فحسب، وهى زاوية مهمة قد تساعد فى علاج جزئى وإنما لا تؤدى إلى التئام الجرح نهائيا أو حتى مرحليا، وستؤدى حتما إلى حلقات جديدة من العنف المتبادل.
وأول خطوة نحو الخروج من الأزمة الحالية هو يقين إسرائيل أن أمنها واستقرارها مرهونان بحل القضايا السياسية وليس بممارسة القوة، ولا غبار على أن العنف يولد عنفا ضد المحاربين والمدنيين، وكان الأمر كذلك قبل السابع من أكتوبر وخلاله وما بعده.
وعلى الدول العربية متابعة بيان قمة الرياض بإجراءات وأفعال ملموسة إزاء تجاهل إسرائيل النداءات المتكررة لوقف إطلاق النار وتوسعها فى قتل الأبرياء وتدمير حياتهم، وعلى الفلسطينيين توفيق أوضاعهم حول هويتهم الوطنية فحسب، وأخذ زمام المبادرة فى قيادة مسيرتهم التى لن تحل بيد أعداء أو رعاية الأصدقاء. وعلى الولايات المتحدة تقدير تداعيات سياساتها وازدواجية معاييرها جيدا على صدقيتها الدولية بصورة عامة ودورها ومكانتها فى المنطقة.
وعلينا كدول عربية مخاطبة جميع الأطراف، بل بعضنا بعضا، بصراحة ووضوح، متمسكين بالعدالة والقانون، وترجمة المناشدات إلى أفعال وتنشيط جهودنا السياسية والقانونية والمجتمعية لحشد التأييد لوقف إطلاق النار وتحميل إسرائيل مسؤولية أفعالها المخالفة للقانون الدولى والإنسانى.
وأعتقد بأن أفضل أسلوب للخروج من الأزمة الحالية وتجنب تكرارها هو تبنى خطوات انتقالية عملياتية عاجلة لتخفيف حدة الأزمة الحالية كجزء من خطة مكتملة لتحقيق حل سياسى للقضية، أى تبنى صفقة تتم ضمنها معالجة أصل المشكلة وليس فقط أعراضها، وذلك من خلال الإجراءات التالية:
1ــ الإعلان العاجل عن وقف إطلاق نار كامل وشامل فى غزة وانسحاب القوات الإسرائيلية من القطاع.
2ــ الإفراج عن الرهائن مقابل محتجزين.
3ــ الاتفاق على ترتيبات فلسطينية ــ إسرائيلية لعدم استخدام العنف بين الجانبين، على أن تشرف على ذلك قوة دولية إلى حين تدريب كوادر فلسطينية مؤهلة.
4ــ اتفاق فلسطينى ــ فلسطينى على تشكيل وزارة فنية مؤهلة تناط بها السلطات والإمكانات لإدارة قطاع غزة والضفة الغربية كوحدة متكاملة فى مرحلة انتقالية.
5ــ وضع خطة شاملة لإعادة بناء غزة على غرار مشروع مارشال بدعم دولى وعربى.
6ــ إصدار إعلان دولى بالاعتراف بالدولة الفلسطينية تحت الاحتلال على أساس حدود 1967.
7ــ عقد الجانبين الإسرائيلى والفلسطينى انتخابات وطنية قبل نهاية 2024.
8ــ وإقامة حل سلمى على أساس دولتين ذات سيادة وهوية مستقلة.
9ــ يقوم مجلس الأمن الدولى بتبنى هذه الخطة كصفقة تنفذ عناصرها كافة وفقا لبرنامج زمنى محدد لا يتجاوز 18 ــ 24 شهرا.
هذا هو الطريق الأوحد لتمكين الشعب الفلسطينى من ممارسة حقوقه الوطنية فى دولته، وهذه هى الوسيلة المشروعة والعملية لتزويد إسرائيل بالأمن والقبول المنشود فى الشرق الأوسط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *