أخبار مصر

نبيل فهمي يكتب: مؤشرات خطيرة دوليا وشرق أوسطيا وقمة البحرين

تناولت فى مقالى السابق مؤشرات مهمة دوليًا وشرق أوسطيا، لقناعتى أننا اقتربنا بل تجاوزنا حافة الهاوية، وننزلق فى منعطف بالغ القسوة والخطورة، وأبرزت بصفة خاصة لجوء الأطراف الدولية والشرق أوسطية إلى حلول صفرية فى معادلاتها وعلاقاتها الخارجية، وان البعض يتبنى وسبلا ومعادلات خالية من كل اعتبارات الإنسانية، فى مناخ من العسكرة المتنامية، جعلت زيادة الإنفاق العسكرى الدولى يتجاوز الزيادات فيما ينفق على البرامج الإنسانية، كما أن فى حساباتهم افتراضات عملية لاستخدام أفتك الأسلحة عالميًا وشرق أوسطيا، وهى أسلحة نووى وأسلحة دمار شامل أخرى.
وأعود إلى نفس الموضوع اليوم لخطورته، وباعتبار أن ساحتى أوكرانيا وغزة شهدتا المزيد من التدهور والتوتر، فأصبح الغرب يتهم روسيا باستخدام غازات خانقة فى مخالفة صريحة للحظر القائم على استخدام الأسلحة الكيميائية، وهو اتهام واجب التدقيق والتحقيق فيه، فإذا ثبتت صحته يعتبر دلالة واضحة على التصعيد السياسى والعسكرى بين روسيا والغرب، وإذا تبين عدم سلامته يعتبر مؤشرًا آخر لرغبة الغرب فى شيطنة روسيا وعدم التعايش معها، وهو ما لن يترك دون رد فعل من منها.
وفى الشرق الأوسط بالتوازى مع جهود مصرية قطرية للتوصل إلى اتفاق بين حماس وإسرائيل لتبادل مختطفين ومحتجزين فى سياق وقف إطلاق للنار ممتد، هناك إصرار إسرائيلى معلن على رفض مبدأ وقف الحرب على غزة، من أجل الاحتفاظ بحقها فى شن عمليات عسكرية مطلقة ضد الفلسطينيين، بل إن رئيس الوزراء الإسرائيلى ناقض تصريح وزير خارجيته بشكل مباشر، وأصر على أن قيام إسرائيل بعمليات عسكرية شاملة فى رفح سيظل قائمًا ولا تراجع عنه، حتى إذا تم التوصل إلى اتفاق حول تبادل مختطفين ومحتجزين، وأكد أنه لا يمكن انتهاء الحرب إلا بعد القضاء على حماس كلية، وقد سبق أن أعلنت إسرائيل أنها تستهدف القيادات الحمساوية فى أى مكان داخل أو خارج قطاع غزة، ويستمر نتنياهو فى تصعيده المستمر وطرح الأمور على أنها غالب أو مغلوب فى معادلة صفرية.
وكان ملفتًا للنظر تصريح بعض قيادات حماس بشأن استعدادهم التخلى عن الخيار العسكرى والوصول إلى اتفاق مع إسرائيل إذا تم التوصل إلى اتفاق يؤمن حلًا من دولتين مستقلتين بين إسرائيل وفلسطين، وهو ما عقب عليه الناشط السياسى الفلسطينى مصطفى البرغوثى بأنه يشكل تحولا جذريا فى موقف حماس إذا صدقت تلك المقولة، وإنما يلاحظ أيضًا تصريحات عن السلطة الفلسطينية تشدد على عدم نجاح مشاورات السلطة وفتح مع حماس.
كما كان لافتا للنظر أيضًا تصريحات لبعض كبار الأجهزة الاستخباراتية الأمنية الإسرائيلية السابقون خاصة أمى أيالون، الذى رأس الأمن الداخلى، حيث أدان عمليات ٧ أكتوبر من حماس، إنما أعلن أن قوة حماس ومصداقيتها ليس فى قدراتها العسكرية وإنما فى رسالتها أنها طرف مقاوم للاحتلال، وأنه لا يمكن القضاء على جاذبية وخطر تلك الرسالة بعمليات عسكرية، واستطرد أيالون وأكد أيضًا أن أمن إسرائيل لن يتحقق إلا بالقضاء على فكرة مقاومة الاحتلال، بالفصل بين الشعبين فى دولتين بالاتفاق بينهما مصحوبًا بترتيبات أمنية، بل دعا إلى الإفراج عن المعتقل مروان البرغوثى رغم الأحكام الصادرة عنه، باعتباره زعامة فلسطينية وسطية لها مصداقية.
فى ضوء كل هذه الاعتبارات التى يغلب عليها الجوانب السلبية والمخاطر، أو تطرح شكوكًا حول بعض البوادر الإيجابية، أعتقد أن صيف ٢٠٢٤ سيكون فاصلًا، ليس بالضرورة فى حسم النزاعات، وإنما فى تحديد ما إذا كنا قد تجاوزنا نقطة اللا رجعة فى التوجهات الدولية والشرق أوسطية الخطرة، لأن المعارك فى كلتا الساحتين احتدت وطالت، وهناك ضغوط سياسية دولية ووطنية على الكل لإثبات النجاح على حساب آخر، فضلًا عن اعتبارات سياسية دولية متعددة تدفع القيادات الى محاولة الحسم والظهور باتخاذ مواقف قوية، باتخاذ قرارات حاسمة لعدم تفاقم الأمور، وللحد من النزاعات سياسيًا أو بمحاولة حسمها عسكريًا.
وتتعدد الضغوط المتنوعة، بعضها ارتباطا بانتخابات فى الخريف والبعض الآخر نتيجة لتنوع التحالفات السياسية، ويشمل ذلك القيادات الدولية فى الولايات المتحدة وروسيا وغيرها، والإقليمية فى اسرائيل وفلسطين وآخرين، من أجل إحداث تغيير فى ائتلافات، وكذلك الأشخاص، لذا سيكون صيفًا حاسمًا يوضح عما إذا كنا قد تجاوزنا خط الرجعة وأمام صدام مباشر وخطير، أم أن خطورة المواقف وتداعياتها قد أفاقت الأطراف بالقدر الكافى، وسنشهد بداية نحو التراجع المنشود والعودة إلى رشد التعايش ووضع حد للعسكرة المبالغ فيها وعديمة الإنسانية.
وهناك حاجة ملحة لخلق آليات اوالاستفادة من آليات قائمة من أجل تحويل الدفة نحو البديل الأفضل والأسلم، وللتغلب على الحساسيات الأمريكية والغربية تجاه التعامل مع روسيا، وما يقابلها من تردد من الجانب الروسى حول وضع أى قيود على حقها فى استخدام الأسلحة النووية إذا لزم الأمر، اقترح استغلال آلية الدول الدائمة العضوية فى مجلس الأمن، للتمهيد لمحادثات أوسع حول أوكرانيا، ومن ناحية أخرى استغلال آلية مشاورات الدول النووية الخمس، وهى نفس الدول وإنما باختصاص مختلف، للتباحث حول كيفية تهدئة الجدل حول استخدام الأسلحة النووية بينها، وأمور أخرى، مثل تخفيض درجات الاستعداد، وتجنب الإطلاق عن خطأ، وتقدير تداعيات التكنولوجية المتقدمة والذكاء الصناعى على استخدام الأسلحة النووية.
وشرق أوسطيا وعربيا بانعقاد القمة العربية فى البحرين من المنطقى أن تكون لأحداث غزة الأولوية فى غياب اتفاق جزئى حول تبادل المختطفين والمحتجزين ووقف إطلاق النار، وإنما لن تستقر الأمور، أو نخرج من حلقات العنف والعنف المضاد، إلا بالتعامل مع الأزمة فى غزة فى إطار متكامل مع المشكلة الجوهرية، وهى الاحتلال الإسرائيلى الممتد من عقود طويلة، لذا بالتوازى مع أى جهود لتحقيق وقف إطلاق النار أو تنفيذ اتفاقيات تبرم بهذا الهدف اقترح تقدم العضو العربى فى مجلس الأمن بمشروع قرار يضع إطارا سياسيا شاملًا بإجراءات محددة تتعامل مع الأزمة والمشكلة وتنفذ خلال ٢٤ شهرًا، وقد استعرضت تلك النقاط فى مقال سابق، أوجزها أهمها فى وقف إطلاق النار، وتوفير المساعدات الإنسانية، وتبادل مختطفين ومحتجزين، ترتيبات امنية وانسحاب القوات الإسرائيلية من غزة، خطة دولية لإعادة بناء غزة وعودة النازحين إلى ديارهم، تشكيل حكومة فلسطينية شاملة للقطاع والضفة الغربية، الدعوة إلى انتخابات إسرائيلية وفلسطينية خلال ١٢ شهرًا، إعادة تأكيد لقرارات القمة العربية ببيروت لعام ٢٠٠٢، إعلان الاعتراف بدولة فلسطينية تحت الاحتلال على أساس حدود ١٩٦٧.
وبالتوازى مع هذا الجهد أرى أن على القمة العربية وضع آلية للحوار والتداول لبلورة تصور أو تصورات عربية لمستقبل الشرق الأوسط، فى علاقاتها الإقليمية والدولية، وفى منهجيتها الاجتماعية والاقتصادية، وأغلب دولنا تمر بمرحلة تطور مجتمعى، تسعى إلى تنويع اقتصادها ومواردها الداخلية والخارجية، ويجب أن يشمل التصور رؤى لمستقبل المنطقة وآلياتها الامنية، وخشية أن يتوسع سباق الانتشار نووى عسكرى فى الشرق الاوسط وتلجأ أطراف إلى استخدام تلك الأسلحة الفتاكة، يجب الاهتمام بوجه خاص وعلى نحو الأولوية لمنع الانتشار النووى فى الشرق الأوسط وإخلاء المنطقة من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل الأخرى، كخطوة مبدئية أدعو الدول النووية والدول الشرق أوسطية الى مخاطبة مجلس الأمن بتأكيد تأييدهم لإعلانها خالية من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل الأخرى، كما ادعوهم إلى تاكيد عدم اعتدائهم أو تعرضهم لمرافق نووية سلمية بالمنطقة خاضعة لضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، هذا فضلًا عن التوسع فى تطبيق إجراءات التفتيش على تلك المرافق من خلال الوكالة الدولية.

نقلا عن إندبندنت عربية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *