آراء وتحليلات

        سيناء الأرض والتاريخ والانسان والهوية

بقلم / سهام عزالدين جبريل 

سهام جبريل

  تستفزنى جدليات كثيرة تحركها اهداف خبيثة لبث الفرقة داخل النسيج الإجتماعى المصرى ، حيث تطلق سياط ألسنتها على الحلقة الأضعف والأقوى في نفس الوقت من مساحة هذا الوطن وعلي ذلك الزراع الأيسر للكيان المصرى العظيم ذلك الزراع الذى يمتد من بوابة الشمال الافريقى شرق مصر ويرابط عبر حدودها على بوابتها الأسيوية ، انها شبة جزيرة سيناء بكل مكوناتها البشرية والجغرافية والتاريخية ، سيناء ذلك الزراع المصرى الذى ظل دائما حائط الصد التاريخى المنيع  لكل محاولات إختراق مصر زراع لن تهن عزائمه  ولم تقتطع اناملة ، برغم كل الصدمات والإنكسارات ، لانه ذلك الزراع هوذلك الساعد الذى  أول من يتلقى الضربات ويدفع بقوة أيادى الغدر والعدوان حماية عن وطننا مصر العزيزة .

 

فنحن سكانة جزء أصيل من هوية مصر ونشرف بان نكون المرابضين والمرابطين على حدود الوطن نحمية ونحفظه وندافع عنه بوجودنا على أرضه نفتديه بأجسادنا وأرواحنا وكل مانملك ، ولكننا لانرضى الضيم أو الغمز واللمز ممن يزايدون علينا وعلى وطنيتنا والتي يحاول البعض اليوم إستغلال سؤال الهوية ، ومصطلحات تعريف الولاء والإنتماء ، لبث الفرقة بين المصريين علي أسس عرقية أو جغرافية ، او مكانية ، الأمر الذي يهدد بنسف حضارة إنسانية عظيمة وتاريخ بأكمله ، ويصادر الحلم بالمستقبل ، الحلم الكبير في مصر المحفوظة بمساحتها الجغرافية وذوبان نسيجها الوطنى الممتد على مدى طول وعرض ، شرق وغرب شمال وجنوب ، والذى تكون على مدى عصور التاريخ المتعاقبة ، الضاربة في عمق التاريخ ومنذ إشراقاته الأولى ،

 

من هنا أظن أن تأمل السياق الثقافي المصري العام والسمات الثقافية الأصيلة لكل بيئة محلية داخل هذا الكيان الوطنى الكبير، وتحت مظلته الحاضنة لكل أبنائه ، سواء من حيث كونها تمثل قطيعة وعزلة أو بإعتبارها تشكل حالة تعددية ثقافية تتكامل تحت مظلة الهوية المصرية ، والذى أصبح فرض عين لكل مواطن يحمل هوية الدولة المصرية ،،،

 

وإذا افترضنا أننا نريد أن نعيد رءب الصدع في خدوش ذلك النسيج والذى أحدثته ، السنة وأقلام المتسلطين والمهاجمين والمشككين في مكوناته ، ومدى إنتماءات بعض سكانه ،

 

وبوحي من مناسباتنا الوطنية والدينية فلتكن أعياد سيناء  وعيد القيامة المجيد هي ذلك الجسر للعبور من ازمة التشكيك في الهوية والوطنية ، إلى عزيمة بناء الوطن ورءب الصدع الذى أصاب بعضا من سياجه ،  فلما لاننظر إلى مساحة أرض الكنانة ونركز على سياجها وأزرعها التي تحمى قلب الوطن ، وتحيطة بروافد من الصروح التي تحتضن قلبه النابض ، وتمثل المصدات القوية له ، المدافعة عنه والحافظة له ،  فلنتجه شرقا ونعبر قناة السويس لنحتضن ونؤازر ونضمد ذلك الزراع الذى كان وسيظل دوما حائط الصد المنيع ولتكن البداية من أرض الفيروز، الأرض المباركة ، من سيناء حيث الحلقة المفعمة بالوطنية وهى الجزء الأصيل  والركن البعيد من الوطن الذى ظلمته الجغرافيا وجار عليه التاريخ واليوم هو الأكثر ألما والأشد ضعفا والأثخن جراحا والأحوج إهتماما …

 

ولما لانعيد قراءة تاريخ وجغرافية الوطن ونبحث في تلك التوجهات والحيل التي تترجم مؤامرات عزل ذلك الساعد الممتد من سيناء وعبر العصور ومابين محاولات بترها عن هويتها المصرية في العصر الحديث من خلال تلك الخطط الفاشلة من جانب تركيا وبريطانيا لفصل سيناء عن مصر، تلك الخطط التي بعثتها الى الحياة بحذافيرها تقريبا اسرائيل منذ سنة 1956م ، فحين اُرغمت على التراجع من سيناء فى مارس 1957م بعد أن كانت قد أعلنت رسميا ضمها، بدأت تراوغ بالمساومة فاقترحت خطوط تقسيم باءت بالفشل.

 

وبعد يونيو 1967 عادت اسرائيل تثير موضوع مصرية سيناء مرة اُخرى ، ومضت بسياسة الأمر الواقع تعمل لتهويد شبه الجزيرة أو أجزاء منها ومحاولاتها المستميتة  لطرد الأهالى وإقامة  المستعمرات خاصة حول رفح والعريش وشرم الشيخ.. إلخ ، وفشلها إمام حائط الصد البشرى من السكان الذين رفضوا وتصدوا وتحدوا لكل هذه المؤامرات ،  ومابين محاولات تأجيج مشاعر الإغتراب والإختلاف بين أهلها وبين سكان الوادي حيث خصوصية العادات والتقاليد وتباين اللهجات ، وموجات التشكيك في الولاء والوطنية من بعض الأقلام الذين يحسبون على مصر ، والتي تطل بوجهها القبيح في كثير من الأحيان والتي تطعن كرامتهم وتشوه تاريخ مضئ سطروه بعرقهم ودمائهم ، فهم يدفعون الثمن في كل الأحوال وهذا الثمن لم يدفعوه فقط بعد 1967، أو خلال حرب الاستنزاف ، أو نصر أكتوبر 1973، أو حتى السنوات التى تلت ذلك ، والتي لم نر فيها سوى حديث عن تنمية سيناء ، دون أن نرى شيئاً يتحقق على أرض الواقع ، ودون أن يشعر أهالى سيناء أنهم نالوا بعض التقدير، واستمرت تضحيتهم طوال الفترة الماضية ، التى زاد فيها الإرهاب، وعلى الرغم من الدور الذى تلعبه القوات المسلحة فى إعادة الأمور إلى نصابها، وطرد الإرهاب من كامل أرض سيناء ونجاحها فى ذلك إلا أن هذا لا يمنع القول بحقيقة أن أهالى سيناء استمروا فى دفع الثمن جراء ذلك ، والاعتراف بذلك هو بداية حل المشكلة ،،،

 

ومابين إضطهاد العدو وسلاح المواجهة خلال سنوات طويلة من ملاحم الصمود والتحدى ومابين الاتهامات المغلوطة من ذوى القربى ، وقف أهل سيناء يواجهون العدو، ويردون على الالسنة السليطة من قبل من يحملون نفس الهوية المصرية من أهل العاصمة والمدن ، الذين يدعون انهم أكثر ولاء من سكان الصحراء المتاخمة لحدود الوطن ، الذين اصبحوا متهمين ومطالبين بإثبات الولاء والانتماء في كل وقت وفى كل حين ، برغم كل ماقدموه وحجم مابذلوه من تضحيات ، إلا أن كثيرا من يجهلون حقيقة وطنية وعمق هوية سكان أرض المواجهة وطبيعة مجتمع صحرائها الصامدة ، ودورهم كمكون أصيل في الهوية الثقافية المصرية ،،،

 

وبالرغم من ظهور عديد من الدراسات التي ترصد الإختلاف بين المجتمعات الصحراوية والزراعية نتيجة للتجارب والخبرات المستمدة من البيئة الجغرافية والمؤثرات الخارجية التي يكتسبها الفرد من بيئته ويختزنها في عقله فتحدد بنيته المعرفية ، إلا أن هذه الدراسات أوضحت أن المنتج الثقافي الذي أفرزته مجتمعات الوادي والصحاري يحمل السمات والمقومات الأساسية للثقافة المصرية ، فمن كلمات د. رزق وحكاوي أهالينا السيناوية وعبر أوراق خطها باحثون ومبدعون تتكشف تدريجيا سمات ثقافة صحراوية تفاعلت مع الوادي وإنصهرت في بوتقة الثقافة المصرية الحاكمة ،،،

 

حيث نجد تلك البانوراما الإنسانية الرائعة التي جسدت معالمها على أرض سيناء حيث جمعت مابين بطولات لمكافحة إحتلال إسرائيلي، ومشاهد من كتاب “بطولات على أرض الفيروز” للواء محمد اليمانى ومقالات عن بطولات الأباء والأجداد من أبناء سيناء للحفاظ على الأرض والهوية ، وصفحات ومدونات تسجل مواقف تاريخية سقط من سطور المؤرخين ومابين شهادة حق في مذكرات الرئيس السادات وإشادته بالدور الوطنى لأهلنا في سيناء فهم شركاء القوات المسلحة في نصر أكتوبر والتي وثقتها شهادات كبار القادة والعسكريين وترجمتها أنواط البطولة وأوسمة التكريم لسكان حافظوا على كل ذرة من تراب الأرض المباركة ، ومحاولات الدفاع عن تاريخ مشرف وإجتهادات ومحاولات لتوثيق ملاحم سقطت من ذاكرة التاريخ ولكنها لم تسقط من ذاكرة الأبناء الذين شهدوا بعضا من فصولها والأحفاد الذين ورثوا مجدها ، مقابل معاناة خناجر الإتهام المشوه لتاريخ مشرف ومقاومة ترويج معلومات مغلوطة لطمس هوية سيناء والادعاء بيهودية هويتها، حيث يلمس بعض من ثناياها وألامها ، عادل فؤاد في كتابه “شعبنا المجهول في سيناء “وبين أنين أجداد في رائعة عبدالرحمن فهمي “دماء علي الصحراء” شقوا بين الرمال طريقا للقناة، وحكايات نكسة واستنزاف ومقاومة ثم إنتصار منذ 67 إلي 73، إمتزج فيها خيال المبدع بما دار علي الأرض ، فكان “رفاعي” جمال الغيطاني، ومجموعة روايات حرب يوسف القعيد “الحرب في بر مصر-فى الأسبوع سبعة أيام -تجفيف الدموع -حكايات الزمن الجريح -أطلال النهار” و”نوبة رجوع” محمود الورداني و”يوميات مقاتل قديم” للسيد عبد العزيز نجم و”سيناء الموقع والتاريخ” لعبده مباشر، و”رجال وشظايا”سمير الفيل و”سبع حبات من الرمال” السيد الجندي ، حيث تجسيدهوية المكان فى كتابى فتحى رزق “رباعيات سيناء” و “جسر على قناة السويس” ومايعرضه الكاتب عما كان يجرى فى خطوط النار بجبهة قناة السويس وسيناء ، وغيرهم مما كتبوا ودونوا وهو قليل من نهر لاينضب ومازال بأعماقه الكثير من الحكايا والأحداث ، ومابين أشعار صلاح عبد الصبور وأحمد فؤاد نجم وفتحي سعيد وعبد الرحمن الابنودي وغيرهم ، وبين تراث ديني معالمه وادي طوي وطريق سلكته العائلة المقدسة ودروب قطعها حجاج في طريقهم للقدس وعرفات، ومساجد وأديرة يُذكر فيها الله وبقايا قلاع وآثار حروب ومشاريع محدودة وتهميش لأرض وبشر… ما بين كل ذلك تتكشف ملامح ثقافة أرض رفضت القطيعة وارتوت بدماء مصريين جمعهم حب الوطن ولم تفرقهم حتى المسافات علي مر العصور..

 

ولأنه ولا تزال كثير من صفحاته لم تُكتب بعد ، وأخري تستحق أن نعيد قراءتها ثقافيا، ومن منطلق ذلك أظن أن إدراكنا للشفرات المتعددة في مصر التي يتعرف بها الفرد علي ذاته وعلي الآخرين وإكتشاف إمتدادها وجذورها وتناغمها في سياق التيار العام للثقافة المصرية ، وفسيفساء نسيجها الذى ذاب واندمجت مكوناته عبر السنين التي أضحت ضرورة للتواصل بين أبناء وطن واحد، لإستعادة كل اللحظات العظيمة التي إلتف فيها كل المصريين حول راية واحدة ، فتحول الكل إلى واحد ،،،

 

فما احوجنا اليوم الى ذلك الرافد الذى يقوى قيم غابت عن البعض ويعضد تلك الهوية والرابطة الممتدة من سيناء شرقا وحتى مطروح غربا ومن الدلتا شمالا وحتى النوبة ووادى حلفا جنوبا ، إنها الهوية التي تجمعنا جميعا بما فيها من مفردات تمثل مكون أصيل من مكونات الشعب المصري وجذوره ، حيث كل له مذاقه الخاص والرائع ، فكل رافدا منه يصب في بوتقه تجمع الشرائح الاخري من أبناء الشعب المصري والذى أنتج لنا ذلك المجتمع الفريد الذى يشكل الهويه المصريه المميزه لشعب أرض  الكنانة ، وتترجم معانى لمفردات تحمل رموزها الأرض والتاريخ والانسان والهوية .

 

————————————-

 

خالص تحياتى / سهام عزالدين جبريل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *