آراء وتحليلات

الصمت القسري

بقلم: محمد سامي سندي

 

مخالطة الناس والصبر على أذاهم سلوك حميد حثنا عليه نبينا عليه الصلاة والسلام في حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله ﷺ:
“المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم”..
إذن فالحديث الشريف يقرر أن هناك أذى قد يلحق بالبعض من مخالطة الناس التي بلا شك تتخللها مناقشات وأحاديث وأفعال ومواقف مختلفة تستوجب الصبر ومقابلتها بالحكمة والهدوء وطول البال ؛ طلباً للسلامة واتقاءً لشرهم ؛ وربما تطلب الوضع حينها اللجوء إلى تجنب الكلام وممارسة الصمت القسري إذا شعرنا أن الاستمرار في الكلام غير مجدِ ولن يغير في واقع الأمر شيئ ؛ وقد يؤدي إلى فهم خاطئ..
وغالباً ما يكون اللجوء إلى الصمت القسري مع أولئك الذين تربطنا بهم علاقات صداقة أو نسب أو رحم خوفاً من أن تتأثر علاقاتنا بهم سلباً أو قد تتطور الأمور معهم إلى حد القطيعة ..
ومن أبرز الحالات شيوعاً التي تضطرناً أحياناً لهذا الأسلوب الإجباري ؛ وربما البحث عن أقرب مخرج للخروج من دائرة الناس والانزواء بعيداً ؛ والذي قد يراه البعض ضعفاً وهروباً ؛ فيما ينظر إليه آخرون أنه عين الصواب والحكمة :
حالة الإستفزاز التي يحلو للبعض ممارستها عند الدخول معهم في حوار أو نقاش حول موضوع ما ؛ وينحرف الحوار معهم إلى حالة من الجدل البيزنطي والسجالات الكلامية التي لا طائل منها والتي قد تصل بنا إلى خلافات قد تتجاوز حدود الاختلاف في الرأي .
حالة السلوك اللا أخلاقي الذي يمارسه البعض ضدنا سواء باللفظ أو الفعل ؛ دون أدنى مراعاة لمشاعرنا وأحاسيسنا.
بعض الممارسات المثيرة للريبة والشك والتي قد يؤدي النقاش فيها أو محاولة سبر أغوارها وكشفها إلى مصادمات تعصف بعلاقاتنا مع الآخرين أو تقطع حبل الود معهم .
بعض المواقف التي لا نمتلك فيها القدرة على مجابهتها أو صدها أو إحداث أي تغيير فيها .

هذه الحالات المتكررة من الصمت الاجباري كتعبير احتجاجي لا ارادي على ممارسات وسلوكيات البعض ؛ قد تصل بنا في نهاية المطاف إلى الرغبة في اعتزال الناس أو البعد عنهم واللجوء إلى الانفراد بالنفس والتدبر في ملكوت الله عز وجل والتفكر في خلقه صوناً لكرامتنا واحتراماً لأنفسنا وحفاظاً على صحتنا وإبقاءً لشعرة معاوية في علاقاتنا مع الآخرين ..

وأخيراً أقول لهؤلاء الصنوف من البشر الذين أجبرونا على إيثار فضيلة الصمت عن أخطائهم وممارساتهم الخارجة عن حدود اللياقة والكياسة والأدب ؛ عوضاً عن الدخول معهم في مهاترات ومصادمات ؛ أن أقل ما نتوقعه منهم فهم أسباب صمتنا وعدم اختبار قدرتنا على الرد عليهم أو مواجهتهم بما قد لا يستطيعون معه حيلة أو سبيلا .
قال الإمام الشافعي رحمه الله :
إِذا شئتَ أن تحيا سليماً من الأذى وديُنك موفوراً وعْرِضُكَ صينُ
فلا ينطقنْ منكَ اللسانُ بَسوْأةٍ فكلك سَوْءاتٌ وللناسِ أعينُ
وعينُكَ إِن أبدتْ إِليك معايباً فصُنْها وقُلْ ياعينُ للناسِ أعينُ
وعاشرْ بمعروفٍ وسامحْ من اعتدى ودافعْ ولكن بالتي هي أَحْسَنُ.
وقال الحسن البصري رحمه الله:
أربعٌ من كن فيه كان كاملا ومن تعلق بواحدة منهن كان من صالحي قومه:
دينٌ يُرشده أو عقلٌ يُسدده أو حسبٌ يَصونه أو حياءٌ يُوقره .

بقلمي 🖊
محمد سامي
١٤٣٩/١٢/١٢هـ

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *