الأدب

قراءات فى مسيرة التنوير .. بيت الشعر العربي يحتفي بـ طه حسين

“لم يكن طه حسين واحدًا ولكنه كان أكثر من واحد”.. هذا ما أكده وألحّ عليه الشاعر الكبير أحمد عبد المعطي حجازي في استعراضه المختصر لمشروع طه حسين الثقافي وعطاءاته الفكرية، بدءًا من اختياره لأبي العلاء المعري موضوعًا لرسالة للدكتوراه، وهو الاختيار الذي أغمِضَت عنه أعينُ الباحثين قبل أن تمتد إليه يدا طه حسين معلنا جسارة في الاختيار، سيتم تأكيدها لاحقًا عبر ثلاثة كتب أصدرها عن أبي العلاء وحده.

 

 

 

 

وجاء حديث “حجازي” حول ما يمكن أن نسميه “تعدد الطاهات”، في الندوة التي نظمها بيت الشعر العربي فى مقره بمنزل الست وسيلة ضمن فعاليات الصالون الشهري للشاعر أحمد عبد المعطي حجازي ، أي على مرمى حجر من الجامع الأزهر حيث درس طه حسين في بداياته، وترددت أنفاسه في فضاء المكان التاريخي لسنوات، كما حظيت بموافقة وتأييد شريكي الندوة، وهما الدكتور سعيد توفيق أستاذ الفلسفة المعاصرة وعلم الجمال، والدكتور يوسف نوفل أستاذ النقد الأدبي الحديث.

 

الشاعر أحمد عبد المعطى حجازى والدكتور الدكتور يوسف نوفل والدكتور سعيد توفيق

الشاعر أحمد عبد المعطى حجازى والدكتور الدكتور يوسف نوفل والدكتور سعيد توفيق

 

 

انطلق حجازي مستعرضًا الحقول الثقافية والأدبية التي اقتحمها طه حسين وأدلى فيها بدلوه، والتي شملت النقد والأدب والاجتماع والسياسة والتاريخ، فكان المؤرخ والناقد الأدبي والمترجم وكاتب الرواية والقصة القصيرة والباحث في الدراسات الإسلامية والثقافية، الذي كتب في كل ما تناوله من قضايا ببصيرة تجاوزت حدود البصر، ليظل طه حسين معاصرًا لنا على الرغم من رحيله قبل خمسين عاما بالتمام والكمال إذ تحل ذكرى وفاته الخمسين في الثامن والعشرين من أكتوبر الجاري.

 

ومثلما أكد “حجازي” على أن طه حسين لم يكن واحدًا، أنهى حديثه بتأكيد آخر لا يقل أهمية عن سابقه، إلا أنه يفيض بكثير من الشجن والأسى والتحسر إذ قال: “إن طه حسين لا يزال معنا إلى الآن، ولكننا لم نعد معه”! وهو تأكيد على أن آراء طه حسين وتوجهاته الفكرية لا تزال سارية المفعول وصالحة للاستخدام الثقافي والاجتماعي غير أننا أهملناها ولا نلتفت إليها.

 

الشاعر أحمد عبد المعطى حجازى والدكتور سعيد توفيق خلال احتفالية طه حسين

الشاعر أحمد عبد المعطى حجازى والدكتور سعيد توفيق خلال احتفالية طه حسين

 

 

لكن الدكتور سعيد توفيق الذي ركز حديثه على المنابع الفكرية التي استقى منها طه حسين أفكاره متوقفًا عند العقلانية والديمقراطية، سينزع من هذه الصلاحية من بعض أفكار طه حسين، معلنًا أنها لم تعد صالحة لهذا الزمن، وسيمثل لذلك بمنهج الشك الديكارتي الذي تجاوزته الدراسات الفلسفية والنقدية، وهو رأي يجب التوقف عنده وفحصه في ظل ديمومة القضايا التي تحدث فيها طه حسين من قبل، واستمرار إحاطتها بنا إلى الآن، خاصة فيما يتعلق بالهوية واللغة والتعليم والسياسة والدرس النقدي الأدبي.

 

وبكثير من التقدير تحدث الدكتور يوسف نوفل عن طه حسين وأثره الأدبي والتنويري إلا أن ذلك لم يمنعه من القول بأن طه حسين أخطأ عندما أقحم الدين في قضية الانتحال التي فجرها في كتابه “في الشعر الجاهلي”. فمن رأيه أن طه حسين لم يكن بحاجة إلى ذلك، خاصة وأنه عاد فحذف الفصول والعبارات المتعلقة بالدين من الكتاب، وأعاد إصداره تحت عنوان: “في الأدب الجاهلي”.

 

ولم يترك الدكتور نوفل القضية تمر دون أن يعبر عن رأيه في أن الشعر الجاهلي لا يمكن أن يكون كلُّه منتَحَلا، وأن الانتحال يخص قليلا منه بما يجعل تعميم طه حسين للانتحال على الشعر الجاهلي خطأ آخر، ولكنه خطأ تورط فيه طه حسين بالتبعية للمستشرق البريطاني ديفيد مارجليوث الذي عمم الانتحال مستندًا إلى إشارة ابن سلام الجمحي في كتابه “طبقات الشعراء” إلى القضية. ومن رأي الدكتور نوفل أن غربلة المصادر التاريخية والأدبية واللغوية للشعر العربي الجاهلي وحدها كفيلة ببيان أن الانتحال وقع في شيء يسير من هذا الشعر بما يحول دون التعميم.

 

وتضمنت الأمسية إلقاء قصيدة نزار قباني “حوار ثوري مع طه حسين” بصوت ليلى الشامي ثم قصيدة الشاعر الكبير أحمد عبد المعطي حجازي في طه حسين “سارق النار” التي القاها الشاعر بصوته، ثم مداخلات الجمهور الكبير الذي حضر الأمسية، وتفاعل معها بكلمات تراوحت بين استدعاء الذكريات النادرة مع عميد الأدب العربي كما فعل الإعلامي “فتحي الملا” أو تساؤل الدكتور محمد رفعت الإمام أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر وعميد آداب دمنهور السابق عن أرشيف صور طه حسين الذي استحوذت عليه الجامعة الأمريكية بعد شرائه من مصور طه حسين الخاص “فان ليو”، ثم تفجيره لقضية اختفاء ملف طه حسين من جامعة القاهرة التي كان عميدًا لكلية الآداب فيها!، هذا وقد أدارت الندوة الشاعرة فاطمة السردي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *