الأدب

صاحب مشروع فكرى أثر فى الثقافة العربية والمصرية.. رحلة حول مؤلفات طه حسين

طه حسين.. أحد أبرز مثقفى مصر وأحد رواد صناعة النهضة خلال القرن العشرين، وقد أصبح مشروعة الفكرى صاحب التأثير الكبير على الثقافة العربية والمصرية، ومع مرور ذكرى رحيله الخمسين، التي تحل خلال تلك الأيام إذ رحل عن دنيانا في 28 أكتوبر من عام 1973م. ولهذا نستعرض قراءة في مجموعة من مؤلفات عميد الأدب العربى.

كتاب “في الشعر الجاهلى”

 

كتاب “فى الشعر الجاهلى” الذى آثار جدلا واسعا في عصره، وكان تلك المؤلف هو أول كتاب لطه حسين، حيث صدر عام 1926 وكان طه حسين فى السابعة والثلاثين من عمره.

فى الشعر الجاهلى
فى الشعر الجاهلى

وفى هذا الكتاب فاجأ عميد الأدب العربى الأوساط الثقافية برأيه في الشعر الجاهلى، حيث قال إن أغلبه منتحل، ومصنوع في مرحلة ما بعد ظهور الإسلام مستشهدا بأنه على قلته لم يعبر عن واقع الحياة فى تلك الفترة.

يقول طه حسين فى كتابه: شككت فى قيمة الأدب الجاهلى، وألححت في الشك، وانتهيت إلى أن الكثرة المطلقة مما نسميه أدباً جاهلياً، ليست من الجاهلية في شيء، إنما هي منحولة بعد ظهور الإسلام،  فهى إسلامية تمثل حياة المسلمين وميولهم وأهوائهم، أكثر مما تمثل حياة الجاهليين، وما بقي من الأدب الجاهلي الصحيح قليل جداً، لا يمثل شيئا، ولا يدل على شيء، ولا ينبغى الاعتماد عليه في استخراج الصورة الأدبية الصحيحة لهذا العصر الجاهلى،  فالشعر الذي ينسب إلى إمرئ القيس أو إلى الأعشى أو إلى غيرهما من الشعراء الجاهليين لا يمكن من الوجهة اللغوية والفنية أن يكون لهؤلاء الشعراء، ولا أن يكون قد قيل وأذيع قبل أن يظهر القرآن، فحياة العرب الجاهليين ظاهرة في شعر الفرزدق وجرير وذى الرمة والأخطل والراعى أكثر من ظهورها في هذا الشعر الذي ينسب إلى طرفة وعنترة وبشر بن أبى خازم.

وقد تم استقبال الكتاب بمعارضة شديدة لأنه يقدم أسلوباً نقدياً جديداً للغة العربية وآدابها، يخالف الأسلوب النقدى القديم المتوارث،  هذه المعارضة قادها رجال الأزهر، واتهم طه حسين في إيمانه، وسحب الكتاب من الأسواق لتعديل بعض أجزائه، وقامت وزارة إسماعيل صدقى باشا عام 1932م بفصله من الجامعة كرئيس لكلية الآداب،  فاحتج على ذلك رئيس الجامعة أحمد لطفي السيد، وقدم استقالته،  ولم يعد طه حسين إلى منصبه إلا عندما تقلد الوفد الحكم عام 1936، ومن أبرز المعارضين لما ورد في الكتاب كل من مصطفى صادق الرافعى ومحمد لطفى جمعة، وشيخ الأزهر آنذاك محمد الخضر حسين.

كما قاضى عدد من علماء الأزهر طه حسين إلا أن المحكمة برأته لعدم ثبوت أن رأيه قصد به الإساءة المتعمدة للدين أو للقرآن، فعدل اسم كتابه إلى “في الأدب الجاهلي” وحذف منه المقاطع الأربعة التي أخذت عليه.

رواية “دعاء الكروان”

 

رواية “دعاء الكروان” تعد واحدة من أبرز الروايات العربية وأكثر تأثيرا حتى الآن، ونشرت الرواية عام 1934، كتب طه حسين فى مقدمة الكتاب إهداء للكاتب عباس العقاد، استوحى الشاعر اللبنانى خليل مطران قصيدة من أجواء الرواية، وترجمت الرواية إلى اللغة الفرنسية عام 1949، حولت الرواية إلى فيلم سينمائى عام 1959 من إخراج هنرى بركات، وقد شارك طه حسين بصوته فى نهاية الفيلم.

دعاء الكروان
دعاء الكروان

فى هذه الرواية الخالدة التى أبدعها عميد الأدب العربى، يمتزج تغريد الكروان الشجى بصرخات القهر والظلم. وعلى لسان “آمنة”؛ الفتاة الريفية رقيقة الحال يحكى لنا “طه حسين” قصة العوز والترحال، ثم التعرض للغدر والانتهاك، وفعل المستحيل من أجل الثأر والانتقام، وهى القصة التى استقاها المؤلف من الواقع، وما زالت تلامس واقع كثير من المجتمعات المعاصرة التى تضطهد فيها المرأة وتهضم حقها. ولا عجب أن يسلب الفيلم السينمائى المأخوذ عن الرواية عقول وأفئدة جمهور الفن السابع متبوئا موقعا متقدما فى قائمة أفضل ما أنتجته السينما المصرية على مدار تاريخها.

ينتقد فيها المجتمع المحافظ المتزمت الذى ينظر إلى المرأة على أنها عورة فقط ويجب أن تحجب عن العالم، ويتناول أيضًا ما يوليه هذا المجتمع من انتقاص وظلم للمرأة وحقوقها، حيث تحكى قصة دعاء الكروان معاناة النساء بداية مع الأم التى يتركها زوجها هى وأبناءها ساعيا وراء أهوائه وشهواته تتقاذفهم أمواج البؤس والضياع والفقر، فالأم زهرة وابنتها الكبرى هنادى والصغرى آمنة هى العائلة التى تدور حولها أحداث القصة، وبسبب فساد الأب يتعرض للقتل.

وتتعرض العائلة بسبب ذلك لفضيحة تضطر على إثرها أن تغادر القرية بضغوط من الناس هناك، فتغادر الأم وابنتيها القرية دون أن يكون هناك وجهة محددة تقصدها، إلى أن تستقر فى المدينة مع إظهار الفرق بين القرية والمدينة من حيث الثقافة والحضارة وغيرها، وبسبب الفقر والحالة المزرية التى تعيشها العائلة تضطر هنادى وآمنة أن تعملا خدما فى البيوت، حيثُ تعمل هنادى فى بيت مهندس شاب وهو ناظر الرى، ويخدعها هذا المهندس بأنه يحبها حتى تقع فى حبه وتسلمه جسدها، وتخبر الأم شقيقها بما حصل مع هنادى وهى تعلم أنه سيقتلها ليغسل العار الذى ألحقته بالعائلة، فجاء الخال وأخذ هنادى وقتلها فى مكان بعيد على صوت الكروان الحزين، وطلب من أمها وأختها نسيانها إلى الأبد، بعد هذه الحادثة تتمرد آمنة على خالها وعادات قريتها أو عادات القبيلة كما تدعى، وتقرر آمنة أن تنتقم لأختها وقد كانت تعمل لدى عائلة المأمور التى كانت تعاملها كأنها أحد أفراد العائلة، وصارت صديقة لابنة المأمور خديجة، واستطاعت خديجة أن تعلم آمنة حب الثقافة والقراءة. ولكن تحدث المفارقة عندما يخطبُ المهندس ناظر الرى ابنة المأمور وتقع آمنة فى حيرة أن تخبر عائلة المأمور أم لا عما صدر عن ناظر الري، لأن ابنة المأمور قد أحبت المهندس لكن آمنة فى النهاية تخبرهم وتلغى هذا الزواج، بعد ذلك تغادر عائلة المأمور المدينة فتعمل آمنة خادمة عند المهندس ناظر الرى وتريد أن تنتقم منه، لكنها تقع فى حبه ويقرر أن يتزوجها، وهذا الأمر ما لا تقبله العائلة، وعندما يصل الخبر إلى القرية ينطلق الخال ليغسل العار مرةً أخرى، ويَختمُ طه حسين روايته بانهيار آمنة وانسحابها من هذه الدوامة التى لم تعد تطيقها دون أن يكون هناك نهاية واضحة لأحداث القصة.

كتاب “مستقبل الثقافة في مصر”

 

يتناول عميد الأدب العربى في كتابه وبالتحديد الجزء الأول من “مستقبل الثقافة في مصر” العقل المصرى مؤكدا أنه أقرب إلى العقل الأوروبى وبالتالى العقلية اليونانية وليس العقل الشرقي، كما يؤكد في كثير من أجزاء الكتاب أن مصر وإن كانت شرقية من الناحية الجغرافية ولكنها غربية العقل وأن المصرى أقرب عقلياً إلى الأوروبى والايطالى والفرنسى عن الهندى والصينى والشرقى بصفة عامة نظراً لاتصال مصر على مدار عدة قرون بحضارة البحر المتوسط.

مستقبل الثقافة فى مصر
مستقبل الثقافة فى مصر

ويؤكد طه حسين فى كتابه الصادر عام 1938 أن أقرب حضارة لنا هى أوروبا واليونان من حيث المخزون الثقافي، ويركز على فكرة أن العقل المصرى مبنى على الفكر والثقافة الفرعونية-الأوروبية “اليونانية الرومانية” وعليه فلا علاقة له بالشرق وإنما يتصل اتصالا معرفيا بالغرب.

ويشدد طه حسين على أن مستقبل الثقافة في مصر مرتبط ارتباطا قويا بماضيها البعيد، فلا يمكن فصل الثقافة المصرية القديمة عن مصر الحديثة، ولا فصل تاريخ مصر القبطية عن عصرنا الحديث.

كتاب “على هامش السيرة”

 

تعد “سيرة ابن هشام” العمل الأبرز في تسجيل تاريخ الإسلام، والمصدر الأول والأشمل لسيرة النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقد سجلت معظم الأحداث المتعلقة بالرسول والجزيرة العربية منذ عصر الجاهلية حتى وفاة الرسول، ولا تزال السيرة النبوية مصدرًا لإلهام الكثيرين الذين يتناولونها بالشرح أو الاختصار أو التحليل أو تبسيط معانيها، وكان “عميد الأدب العربي»” أحد الذين استهوتهم، فسجل ما ارتآه منها، راغبًا أن تكون نبراسًا لتوجيه الكثير من أبناء اللغة العربية إلى ضرورة الرجوع إليها و الاستفادة منها. وقد اعترف «طه حسين» بأنه لم يأتِ بجديد وأن ما سجله هو فقط مجرد خواطر، طرأت له أثناء القراءة، فصاغها بأسلوبه السهل الممتنع، حسب ما ذكرت مؤسسة هندواى خلال طرحها للكتاب أمام القراء.

على هامش السيرة
على هامش السيرة

ويقول الدكتور طه حسين في مقدمته للكتاب : “هذه صحف لم تُكتب للعلماء ولا للمؤرخين؛ لأني لم أرد بها إلى العلم، ولم أقصد بها إلى التاريخ. وإنما هي صورة عَرضت لي أثناء قراءتي للسيرة فأثبتُّها مسرعًا، ثم لم أرَ بنشرها بأسًا. ولعلِّي رأيت في نشرها شيئًا من الخير؛ فهي تردُّ على الناس أطرافًا من الأدب القديم قد أفلتت منهم وامتنعت عليهم، فليس يقرؤها منهم إلا أولئك الذين أتيحت لهم ثقافة واسعة عميقة في الأدب العربي القديم. وإنك لتلتمس الذين يقرءون ما كتب القدماء في السيرة وحديث العرب قبل الإسلام فلا تكاد تظفر بهم.

إنما يقرأ الناس اليوم ما يكتب لهم المعاصرون في الأدب الحديث بِلُغتهم أو بلغة أجنبية من هذه اللغات المنتشرة في الشرق، يجدون في قراءة هذا الأدب من اليسر والسهولة، ومن اللذة والمتاع ما يغريهم به ويرغبهم فيه، فأما الأدب القديم فقراءته عسيرة، وفهمه أعسر، وتذوقه أشد عسرًا. وأين هذا القارئ الذي يطمئن إلى قراءة الأسانيد المطولة، والأخبار التي يلتوي بها الاستطراد، وتجور بها لغتها القديمة الغريبة عن سبيل الفهم السهل والذوق الهين الذي لا يكلف مشقة ولا عناء!”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *